على طريق الاستقامة والدعوة .. هل تشعر بالملل أو الوحشة ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين 


﴿ إِنَّ ٱلَّذِینَ قَالُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَـٰمُوا۟ تَتَنَزَّلُ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ أَلَّا تَخَافُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَبۡشِرُوا۟ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِی كُنتُمۡ تُوعَدُونَ * نَحۡنُ أَوۡلِیَاۤؤُكُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِیهَا مَا تَشۡتَهِیۤ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِیهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلࣰا مِّنۡ غَفُورࣲ رَّحِیمࣲ * وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلࣰا مِّمَّن دَعَاۤ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا وَقَالَ إِنَّنِی مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ * وَلَا تَسۡتَوِی ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّیِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِی بَیۡنَكَ وَبَیۡنَهُۥ عَدَ ٰ⁠وَةࣱ كَأَنَّهُۥ وَلِیٌّ حَمِیمࣱ * وَمَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ٱلَّذِینَ صَبَرُوا۟ وَمَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِیمࣲ * وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغࣱ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ ﴾ [فصلت 30-٣٦]


يا معشر الصالحين والمصلحين .. الله يعلم أنكم بشرٌ يعتريكم الملل من طول الطريق فبشركم بجمال النهاية وحسن الخاتمة ، وتصيبكم الوحشة من قلة السائرين معكم فأنزل الملائكة تؤانسكم وتثبتكم وتبشركم ، ويتسرب إليكم الحزن على مستقبل الأولاد في ظل الفتن والصعوبات فبشركم أنه يتولاهم كما تولاكم . الله يعلم كم أمسكتم عن شهوة خوفاً من الله ، وكم تركتم فراش نومكم مناجاةً لله ، وكم بذلتم وتعبتم من أجل الله.. فلكم في الجنة مَا تَدَّعُونَ أي كل ما تطلبون . ألا تهون عليكم وعثاء السفر إذا اتصل بكم مضيفكم وأنتم على وشك الوصول ليطمئن على مسيركم ويخبركم بشوقه للقياكم ويبشركم بأن منزل الضيافة ووليمة الاستقبال على أهبة الاستعداد ؟ كيف بكم والله سبحانه _وله المثل الأعلى_ هو مضيفكم في سفركم إليه ؛ مستقيمين غير مبدلين ولا مغيِّرين (نُزُلࣰا مِّنۡ غَفُورࣲ رَّحِیمࣲ) والنُزُل هو القِرى الذي يكون للضيف ! وها هي رسائله التي تحدوكم إليه تتلونها ليل نهار .. القرآن الكريم .  


ومن جوائز استقامتكم على الصلاح في أزمنة الرخاء ومواسم الشدة والأزمات يشرفكم ربكم بالترقية إلى منصب الدعوة وإصلاح الغير (وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلࣰا مِّمَّن دَعَاۤ إِلَى ٱللَّهِ ؟!)  هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولاً .. لا أحد أحسن كلامًا وطريقةً وحالةً ﴿مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين ..


الدعوة إلى الله اصطفاء ؛ فهنيئاً للمصطفين الأخيار .. هي أشرف الوظائف على الإطلاق ، وستبقى شاغرة ، لا يضيق مركبها بأحد ، ولا يفوته قطارها ، والموفق من وفقه الله ..


خير الناس على وجه الأرض .. من دعاهم إلى الله وحببهم إليه وبغَضهم للمنكر ونهاهم عنه بالحكمة والموعظة الحسنة فأخذ بأيديهم إلى الجنة وجاوز بهم عن النار .. ينهى عن الشرك ويُحذر من البدع .. في مواجهةٍ شريفةٍ لشياطين الإنس والجن الذين يجتالون الناس عن التوحيد والسنة ..


خير الناس أيّاً  كانت مواقعهم وطبيعة أعمالهم .. من دعا الناس إلى الله .. في موقعه وحسب إمكاناته دون أن يكلف نفسه ما لا تطيق ، ودون تعريضها للفتن والابتلاء الذي لا يقدر على حمله . 


 ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ مع دعوته الخلق إلى الله، بادر هو بالعمل الصالح..


﴿وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ المستسلمين المنقادين لأمر الله ، السالكين في طريقه . إنه وسام شرف يبرزه المؤمن الداعية على صدره (إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ولا يخفيه في جيبه خجلاً من عولمة اللادينية تحت شعار "الإنسانية" المضلل !


 هذه المرتبة، تمامها للصديقين، الذين عملوا على تكميل أنفسهم وتكميل غيرهم، وحصلت لهم الوراثة التامة من الرسل، كما أن من أشر الناس قولاً وحالاً، من كان من دعاة الضلالة السالكين لسبلها. وبين هاتين المرتبتين المتباينتين، اللتين ارتفعت إحداهما إلى أعلى عليين، ونزلت الأخرى، إلى أسفل سافلين، مراتب، لا يعلمها إلا الله، وكلها معمورة بالخلق ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾. (من تفسير السعدي وغيره)


طريق الاستقامة والدعوة يقف على جنباته حسّادٌ وجهالٌ ، فلتكن ردود أفعالك على أحسن وجهٍ تقدر عليه (ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ) وإذا تمكنت من رد فعلٍ حسن وآخر أحسن منه فاختر الذي هو أحسن . هكذا ينقلب حسدهم وجهلهم إلى مودة ( فَإِذَا ٱلَّذِی بَیۡنَكَ وَبَیۡنَهُۥ عَدَ ٰ⁠وَةࣱ كَأَنَّهُۥ وَلِیٌّ حَمِیمࣱ ) ، واسأل الله تعالى أن يمنحك هذه الصفة المباركة التي يمنحها فقط للصابرين وأصحاب الحظ العظيم .


كما يعترض الطريق أعداءٌ متربصون من شياطين الإنس والجن ، أغاضهم ظفرك بمنصب الدعوة فجلبوا عليك بخيل الوساوس ورَجِلِ العوائق ليصرفوك عنه ، فاستعذ بالله من كل نزغةٍ تزهدك في الاستقامة والدعوة ، وانظر هناك في البعيد أمامك لترى الأنبياء السالكين قبلك على نفس الطريق ، فلا تستوحش !

 وبالله التوفيق

تعليقات

  1. سهل الله امرنا وامركم
    وأسال الله أن يجعلكم مباركين أينما تكونون

    ردحذف
  2. موسى الحريشي25 أبريل 2025 في 4:30 م

    بارك الله فيك د.أحمد ونفع الله بك....دوما كلماتك في الصميم....مستمتعين...مستفيدين

    ردحذف
    الردود
    1. وبارك الله فيك ولك أخي الغالي د. موسى ، وجزاك خيراً

      حذف
  3. جزاك الله خير يادكتور أحمد ونفع الله بك الإسلام والمسلمين ورزقك الثبات حتى تلقاه

    ردحذف
  4. (كما يعترض الطريق أعداءٌ متربصون من شياطين الإنس والجن ، أغاضهم ظفرك بمنصب الدعوة فجلبوا عليك بخيل الوساوس ورَجِلِ العوائق ليصرفوك عنه ، فاستعذ بالله من كل نزغةٍ تزهدك في الاستقامة والدعوة ، وانظر هناك في البعيد أمامك لترى الأنبياء السالكين قبلك على نفس الطريق ، فلا تستوحش !)
    لا فض فوك..
    وجزاكم الله خير الجزاء

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طريق الطمأنينة .. كيف يتجاوز المؤمن ألم الهموم والمصائب

تأملات في الحكمة من ابتلاء الأطفال بالأمراض

وأعفيت لحيتي