تأملات في الحكمة من ابتلاء الأطفال بالأمراض
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن ويسر
تأملات في الحكمة من ابتلاء الأطفال بالأمراض
الأطفال يُؤجرون على المصائب والأمراض ، وتتفاوت درجاتهم في الجنة
سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يؤجر الصبي على المرض ؟ قال : نعم . (ثمرات التدوين د.أحمد القاضي) .
"إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَ ٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ" قال الإمام القرطبي في تفسيره : قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَمَا اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْبَالِغِينَ الْمُكَلَّفِينَ ، كَذَلِكَ اشْتَرَى مِنَ الْأَطْفَالِ فَآلَمَهُمْ وَأَسْقَمَهُمْ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَمَا فِيهِ مِنَ الِاعْتِبَارِ لِلْبَالِغِينَ، فَإِنَّهُمْ لَا يكونون عند شيءٍ أَكْثَرَ صَلَاحًا وَأَقَلَّ فَسَادًا مِنْهُمْ عِنْدَ أَلَمِ الْأَطْفَالِ، وَمَا يَحْصُلُ لِلْوَالِدَيْنِ الْكَافِلَيْنِ مِنَ الثَّوَابِ فِيمَا يَنَالُهُمْ مِنَ الْهَمِّ وَيَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالْكَفَالَةِ. ثُمَّ هُوَ عَزَّ وَجَلَّ يُعَوِّضُ هَؤُلَاءِ الْأَطْفَالَ عِوَضًا إِذَا صَارُوا إِلَيْهِ.
الأطفال يتألمون من البلاء ، فإذا أنزل الله السكينة عليهم هانت عليهم بلواهم
يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بخبر أطفال تكلموا في المهد ، ومنهم :
في قصة الغلام المؤمن والملك والراهب والساحر ، حين آمن الناس بالله رب الغلام ، شقّ الملك لهم الأخدود وأضرم النيران وصار الجنود يدفعون الناس لإلقاء أنفسهم في النار حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فخافت وتراجعت ، فأنطق الله الغلام وقال لَهَا : يَا أُمَّهِ اصْبِرِي، فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ. (أي اصبري على البلاء وامضي للوقوع في أخدود النار ، وهو معها ! ) . هذه السكينة والطمأنينة أنزلها الله في قلب الطفل كرامة له ولأمه المؤمنة ليكون سببا في ثباتها، وهو سبحانه قادر على إنزال السكينة في قلب كل طفل مبتلى وتخفيف الألم عنه .
وكانتِ امْرأةٌ تُرضِعُ ابنًا لها مِن بَني إسْرائيلَ؛ فمَرَّ بها رجُلٌ راكب لهُ هَيْبةٌ وهَيْئةٌ حَسنةٌ، فقالَتِ الأُمُّ : اللهمَّ اجْعلْ ابْني مِثلَه ، فتَركَ الطِّفلُ الرَّضاعةَ مِن ثَدْيِ أُمِّهِ وتوجَّهَ بنَظرِه إلى الرَّاكبِ، فقالَ: اللَّهمَّ لا تَجعلْني مِثلَه، وهذهِ كرامةٌ للغُلامِ؛ حيثُ نطقَ في المهْدِ، ثمَّ أقبلَ على ثَدْيِها يَمَصُّه . ثمَّ مُرّ بامْرأةٍ مملوكةٍ، فقالتِ الأمُّ: اللهُمَّ لا تَجعلِ ابْني مِثل هذِهِ، بسبب ما رأت مِن إذْلالِ الممْلوكةِ وإهانتِها، فتركَ ثَدْيها، فقالَ: اللهمَّ اجْعلني مِثلَها، فقالتْ: لم ذاكَ؟، فقالَ الغُلامُ : الرَّاكبُ جبَّارٌ مِن الجبابِرةِ ، أي: جبَّارٌ ظالمٌ مُتكَبِّرٌ فلا أحِبُّ أن أكونَ مِثلَه، وهذِه الأَمةُ يَقولونَ: سَرقتِ، زَنَيتِ، ولم تفعلْ، أي: إنَّها مَظلومةٌ ولم تَسرِقْ ولم تَزنِ واللهُ معَ المظلومِ وناصرُهُ، وهيَ تلتجِئُ إلى اللهِ تَعالى أن يُجيرَها وأن يُثِيبَها، فأحببْتُ أن أكونَ مِثلَها طاهرا عفيفا بعيدا عن الفواحش .
كلما رأيت طفلاً مبتلى وقالت لك نفسك : حرام يتعذب هذا الطفل البريء ! ، فتذكر هذه المرأة وطفلها الذي تمنى خلاف ما تتمناه هي ، والله سبحانه أجرى هذه الكرامة على لسان الطفل ليخبرها أن حقيقة الأمر خلاف الظاهر وأن اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه ، وخير من اختيار والديه له !
دعاؤك للطفل أن ينزل الله عليه السكينة ويلطف به ويخفف عنه ، وأن يعينك على القيام برعايته ، خير لك وله من دوام الأسى على حاله والتبرم من بلواه .
ابتلاء الأطفال فيه استخراج لعبادة الصبر والرضا ، وتمييز درجات المؤمنين في الإيمان بالقضاء والقدر
﴿ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَیۡرِ فِتۡنَةࣰۖ وَإِلَیۡنَا تُرۡجَعُونَ ﴾ [الأنبياء ٣٥]
أَيْ: نَخْتَبِرُكُمْ بِالْمَصَائِبِ تَارَةً، وَبِالنِّعَمِ أُخْرَى، لِنَنْظُرَ مَنْ يَشْكُرُ وَمَنْ يَكْفُرُ، وَمَنْ يَصْبِرُ وَمَنْ يَقْنَطُ .. ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ أَيْ: فَنُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ. (تفسير ابن كثير ) .
(وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ [البقرة ١٥٥]
ولنختبرنكم بشيء يسير من الخوف، ومن الجوع، وبنقص من الأموال بتعسر الحصول عليها، أو ذَهابها، ومن الأنفس: بالموت أو الشهادة في سبيل الله، وبنقص من ثمرات النخيل والأعناب والحبوب، بقلَّة ناتجها أو فسادها. وبشِّر -أيها النبي- الصابرين على هذا وأمثاله، بما يفرحهم ويَسُرُّهم من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
﴿ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰجِعُونَ﴾ [البقرة ١٥٦]
من صفة هؤلاء الصابرين أنهم إذا أصابهم شيء يكرهونه قالوا: إنَّا عبيد مملوكون لله، مُدَبَّرون بأمره وتصريفه، يفعل بنا ما يشاء، وإنا إليه راجعون بالموت، ثم بالبعث للحساب والجزاء.
﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَ ٰتࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ﴾ [البقرة ١٥٧]
أولئك الصابرون لهم ثناء من ربهم ورحمة عظيمة منه سبحانه، وأولئك هم المهتدون إلى الرشاد. (التفسير الميسر ) .
المالك الحكيم الرحيم لا يتصرف في ملكه إلا بما يُصلحه
عندما يصاب الطفل بالبلوى فنقول " إنا لله وإنا إليه راجعون " فنحن نعلن من قلوبنا أننا وأطفالنا ملك لله وتحت تصرفه ، واثقين أن المالك الرحيم سبحانه لا يتصرف في ملكه إلا بما يُصلحه وإن كان مؤلما ، وراجين أننا حين نرجع نحن وأطفالنا إلى الله سنلقى ثواب الصبر على البلوى والرضا بها .
في ابتلاء الطفل حكم ومصالح .. له ولأهله وللناس
ابتلاء الله للطفل قد يكون لرفع أبويه في منزلة عالية في الجنة لا تؤهلهم لها أعمالهما الصالحة.. يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ العبْدَ إذا سَبَقت له مِنَ اللهِ مَنزِلةٌ (أي: درَجة عالية في الجنَّةِ) لَم يَبلُغْها بعمَلِه ابتَلاه اللهُ في جسَدِه، أو في مالِه، أو في وَلَدِه ، ثمَّ صَبَّرَه (أي: رَزَقه الصَّبرَ) على ذلك حتَّى يُبلِّغَه المنزِلةَ الَّتي سبَقَتْ له مِن اللهِ تعالى . رواه أبو داود وصححه الألباني . (موقع الدرر السنية، بتصرف) .
بعض الأطفال يكون في علم الله السابق أنه ينحرف إذا كبر ويكون سببا في معاناة والديه من فجوره وظلمه ، فيقدر الله عليه البلاء في طفولته رحمة به وبوالديه ، والخضر عليه السلام نموذج للقدر الذي تخفى حكمته ، فقد قتل طفلا بريئا في ظاهره فأنكر عليه موسى عليه السلام ، فأخبره الخضر ﴿وَأَمَّا ٱلۡغُلَـٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَیۡنِ فَخَشِینَاۤ أَن یُرۡهِقَهُمَا طُغۡیَـٰنࣰا وَكُفۡرࣰا﴾ [الكهف ٨٠] "وأما الغلام الذي أنكرت عليّ قتله فكان أبواه مؤمنَين، وكان هو في علم الله كافرًا، فخفنا إن بلغ أن يحملهما على الكفر بالله والطغيان من فرط محبتهما له، أو من فرط حاجتهما إليه." (المختصر في التفسير).
امرأة تعتني باهتمام بطفلها المعاق ، وحين سُئلت عن الصعوبات والمعاناة ، أجابت : بالعكس .. هذا الطفل تسبب في قربي من الله أكثر !
كم من أب وأم صار ابتلاء طفلهما سببا في صلاح حالهما واستقامتهما وبالتالي ارتفاع منزلتهما في الجنة ، فصار ابتلاء الطفل خيرا له من جهتين : الأولى أنه يؤجر ، والثانية أن بلاءه تسبب في رفعة منزلة أبويه في الجنة وهو سيلحق بهما في تلك المنزلة إكراما لهما !
﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّیَّتُهُم بِإِیمَـٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَمَاۤ أَلَتۡنَـٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَیۡءࣲۚ كُلُّ ٱمۡرِىِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِینࣱ﴾ [الطور ٢١] " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم في الإيمان، ألحقنا بهم ذريتهم في منزلتهم في الجنة، وإن لم يبلغوا عمل آبائهم؛ لتَقَرَّ أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيُجْمَع بينهم على أحسن الأحوال، وما نقصناهم شيئاً من ثواب أعمالهم. كل إنسان مرهون بعمله، لا يحمل ذنب غيره من الناس." (التفسير الميسر) .
أحد المحسنين جزاه الله خير الجزاء وبارك له في أهله وماله ، أصيب ابنه بسرطان الدم (لوكيميا) فسافر به للعلاج في أحد المراكز المتخصصة في أمريكا قبل ثلاثين سنة تقريبا ، وفي نفس الوقت تبرع ببناء وتجهيز مركز ضخم لعلاج الأورام لدى الأطفال في مدينة الرياض مساهمة منه في علاجهم وتخفيف معاناتهم ومعاناة ذويهم. عافى الله ولده ، وانتهى تشييد المركز فسلمه لمستشفى الملك فيصل التخصصي لإدارته وتشغيله ، يستفيد من المركز حاليا آلاف الأطفال .
زوجان من منطقة القصيم تبين لهما أن طفلهما أعمى وأن مرض عينيه وراثي ، ونصحهما البعض بالتوقف عن الإنجاب أو الانفصال ، فكانت صدمة مؤثرة وكان جوابهما " لن ننفصل ولن نتوقف ! واثقون بالله وراضون بقضائه وقدره " .. الطفل التالي أعمى أيضا ثم رزقهم الله عددا من الأطفال الأصحاء . بادر الأب بدراسة احتياجات الأطفال المكفوفين وسبل توفيرها ، وانتهى الأمر بتأسيس جمعية "مبصرون" الأهلية بمدينة بريدة ، يستفيد من خدماتها وبرامجها العديد من الشباب والأطفال المكفوفين .
وهكذا تأسست عدة جمعيات ومؤسسات ومدارس ومراكز تأهيل ومواقع الكترونية ومجموعات تواصل اجتماعي لخدمة مجموعات خاصة من المرضى (مثل : متلازمة داون ، التوحد ، فرط الحركة ، حساسية القمح ، الأورام ، الإعاقات السمعية والبصرية.. وغيرها ) ويكون سبب الفكرة في البداية ابتلاء طفل بأحد هذه الأمراض ومعاناة من يقوم برعايته فنتج عنها مثل هذه المشاريع لخدمة الآخرين .
ابتلاء الأطفال بالأمراض سبب في بحث المختصين عن العلاج المناسب وقيام المؤسسات الطبية والاجتماعية بتقديم الدعم والرعاية ، وينبني على ذلك حصول منافع صحية ودينية وعلمية واجتماعية ووظيفية واقتصادية للأفراد والمجتمعات . يقول عليه الصلاة والسلام : " إنَّ اللهَ لمْ يُنْزِلْ دَاءً أوْ لمْ يَخْلُقْ دَاءً إلَّا أنْزَلَ أوْ خلقَ لهُ دَوَاءً ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ ، و جَهِلهُ مَنْ جَهِلهُ، إلَّا السَّامَ ، قالوا : يا رسولَ اللهِ و ما السَّامُ ؟ قال : المَوْتُ " .
ابتلاء الأطفال سبب في تعاون الأهل والأقارب والأصدقاء ، وبه يُعرف الأوفياء ، وتتميز درجة أصحاب حسن الخلق بنفع الناس وخدمتهم وتفريج كرباتهم .. يقول عليه الصلاة والسلام : " مَن نفَّس عن أخيه كُرْبةً مِن كُرَبِ الدُّنيا نفَّس اللهُ عنه كُرْبةً مِن كُرَبِ الآخرةِ ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه " ، ويقول : " أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ، و مَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ ، و مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ، و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ ، و مَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ ، [ و إِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ ] " صححه الألباني .
ابتلاء الأطفال بالأمراض يُذكر المؤمن بنعمة العافية وواجب شكرها ، يقول عليه الصلاة والسلام : " من رأى مبتلًى فقال : الحمدُ للهِ الذي عافاني مما ابتلاكَ به ، و فضَّلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا ، لم يُصِبْهُ ذلك البلاءُ " صححه الألباني .
كثير من الآباء والأمهات يبادرون للصدقة ومعاونة المحتاجين لعل ذلك يكون سببا في شفاء طفلهما تبركا بقول النبي صلى الله عليه وسلم " داووا مرضاكم بالصدقة " حسنه الألباني ، وهكذا ينتفع الفقراء بسبب مرض الأطفال .
بعض الآباء والأمهات يتوقف عن معصية يرتكبها في حق الله أو ظلم للمخلوقين أو قطيعة لرحمه حين يبتلى بمرض طفله وينتبه إلى تصحيح أوضاعه .
بعض الآباء والأمهات يكون مقصرا في حق أطفاله ورعايتهم ، فإذا ابتلي أحد الأطفال بالمرض انتبه لتقصيره وتدارك خطأه .
الدعاء هو أعظم العبادات لأنه تذلل وافتقار لله وإظهار للحاجة إليه سبحانه وتحقيق لتوحيده في القلب ، وبعض المؤمنين يكون مقصرا في هذا الجانب فلا تراه يدعو الله ويسأله حاجاته وكأنه في غنى عن ربه ومولاه ، فيبتليه الله بمرض طفله ليتضرع إليه ويحقق عبادة الدعاء الخالص ..
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ" ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
هَذَا مِنْ فَضْلِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَكَرَمِهِ أَنَّهُ نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَى دُعَائِهِ، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالْإِجَابَةِ، كَمَا كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: يَا مَنْ أحبُّ عِبَادِهِ إِلَيْهِ مَنْ سَأَلَهُ فَأَكْثَرَ سُؤَالَهُ، وَيَا مَنْ أَبْغَضُ عِبَادِهِ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُكَ يَا رَبِّ.
وَفِي هَذَا الْمَعْنَى يَقُولُ الشَّاعِرُ:
اللهُ يَغْضبُ إِنْ تركْتَ سُؤَالهُ ... وَبُنيُّ آدمَ حِينَ يُسألُ يَغْضَبُ
ابتلاء الأطفال يذكر الآباء بحقيقة متاع الدنيا وزينتها الفانية ، وأن ملذاتها منغصة ولا يدوم لها حال ، فينتبه المؤمن للتزود للنعيم الباقي الذي لا يفنى ولا يتكدر ..
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله : "ومن رحمته: أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها ، ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم." (إغاثة اللهفان).
أحب الناس إلى الله الأنبياء ، وقد ابتلي بعضهم في أولادهم فصار ابتلاؤهم زيادة في رفعتهم ورفعة أولادهم ، فإبراهيم عليه السلام يأمره الله بترك إسماعيل وأمه في واد غير ذي زرع ، ولما كبر أمره الله بذبحه ! استجابا لأمر الله وفدى الله إسماعيل بالكبش ، ووصف الله القصة بالبلاء العظيم ، وصار إبراهيم عليه السلام أب الأنبياء وأفضلهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم . ابتلي يعقوب بفقد ابنه يوسف عليهما السلام في قصة تتلى إلى يوم القيامة ، وابتلي أيوب عليه السلام بالمرض الشديد وفقد أهله وأولاده وماله وآلت قصته إلى العوض في الصحة والمال والولد وصارت قصته مثلا يضرب لكل مؤمن يبتلى ، وابتلي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بوفاة ابنه إبراهيم طفلا رضيعا فجعل الله لابنه مرضعتين في الجنة يكملان رضاعه .
ابتلاء الأطفال بأمراض سببها مخالفات الأبوين المؤمنين ؛ كالتي تصيب الجنين نتيجة تعاطي الأم للدخان أو الكحول أو الأمراض الجنسية الناتجة عن علاقات محرمة ، فيها موعظة وتنبيه لاجتناب تلك المخالفات . أما الطفل فإنه مأجور على الأذى الذي أصابه وسيعوضه ربه .
أفضل طريقة لفهم الحكمة من ابتلاء الأطفال هي التسليم لله والاستسلام لحكمته وترويض النفس على الرضا بقضائه وتعزيتها بجميل العوض من الله في الدنيا والآخرة ، أما إذا ابتلي الإنسان بالوساوس الشيطانية والخواطر المؤذية حول الإيمان بالقضاء والقدر فهناك وسائل لمعالجتها (انظر مقالة : طريق الطمأنينة).
اللهم رب اغفر لوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا ،،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله .
زادك الله علما وفضلا
ردحذفوغفر لك ولوالديك
جزاك الله خير اوخيي الغالي💕
ردحذفمقال لامس الشغاف، وكان فيه مواساة جميلة في " الإبتلاء بالأبناء" لم تمر علي من قبل ..
تعودنا نقرأ أونسمع عن الابتلاء عموما .
جعله الله في موازينك ..
🌧
🌱🌱_____
ولعل هذه المقال ينتشر مع ردي ويكون سببا مباركاً في احتواء (حمودي😍) وأقرانه
من متلازمة داون ومن شابههم ..
لقد تردد في بالي 💭💬
مشروع قصير فكرت فيه منذ سنتين تقريبا ثم اندثرت الفكرة ونسيتها تماما ..
ثم تذكرتها اليوم مع ثنايا المقال وقد تحرك الأمل في نفسي من جديد وماذلك على الله بعزيز وماهو عنا بعيد ..
💭 وهي :
عمل دورات وفعاليات قصيرة مستديمة تربوية تأهيلية .. وترفيهية .. لتخفيف معاناة هذه الفئة وذويهم ومواساتهم فيهم حيث لاحول لهم ولا قوة لهم بدون تظافر الجهود وتعاون الجميع،
وأخص من تلك الفئة التي لم يتهيأ لها الإلتحاق بمدارس ومراكز ذوي الاحتياجات الخاصة السنوية بسبب رفض الولد لمقعد الدراسة والبرنامج التأهيلي طويل المدى ..أو لمشاكل وعقبات أخرى تحول دون ذلك ..
وفق الله الجميع، ووفق كل من تبنى هذه الفكرة أورعاها أو سقاها بأي شكل من الأشكال ..
آميين.. فكرة نوعية.. أسأل الله أن ييسر لها من يرعاها
حذف