طريق الطمأنينة .. كيف يتجاوز المؤمن ألم الهموم والمصائب
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ أعن ويسر
عندما يتعرض المؤمن لمصيبةٍ في نفسه أو أحد محبوبيه فقد يمر ببعض أو كل الانفعالات النفسية التالية : الصدمة ، الإنكار ، الجزع والغضب ، القلق ، الحزن (يشمل الحزن الطبيعي والشديد والاكتئاب)، تقبل الأمر الواقع ،الطمأنينة.
وعندما يُبتلى بمعاناة طويلة أو كثرة الهموم فقد تخطر بباله خواطر مزعجة حول القدر والحياة، وهذه الخواطر هي مظهر من مظاهر تلك الانفعالات النفسية.
ومن لطف الله سبحانه أنه منحنا القدرة على تجاوز الانفعالات النفسية وتقليل آثارها السلبية، بمفردنا أو بمعاونة من حولنا ودعمهم.
- ماهي هذه الانفعالات وكيف نتعامل معها ؟
- كيف نصل إلى حالة الطمأنينة في أقرب وقت ممكن ؟
- خواطر وتساؤلات : لماذا تحصل لي دون غيري هذه المصائب والهموم؟ لم لا يُستجاب لدعائي ؟
***
الصدمة في بداية المصيبة الشديدة : تحدث للبعض ، يقف مشدوها صامتا من هول الموقف، وقد يفقد وعيه ، ومدة مشاعر الصدمة قصيرة أو طويلة بحسب طبيعة الشخص وحجم المصيبة.
الإنكار: ينكر حدوث المصيبة ، فيقول مثلا : أنا بخير وأكيد التشخيص المرضي خطأ ! أو يقول : مستحيل يحصل هذا الأمر لي أو لطفلي..لا يمكن ! ، وقد حصل ذلك لبعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم حين سمعوا خبر وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فأنكروه ، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
مشاعر الإنكار رد فعل طبيعي يدافع بها الإنسان عن نفسه وأحبابه ليشعر بأنهم موجودون وبخير، ثم تزول هذه المشاعر ويبدأ المؤمن باستشعار المصيبة فتظهر الانفعالات الأخرى.
الغضب والجزع (يحدث للبعض): تتسم هذه الحالة بالغضب وتوجيه اللوم للنفس أو للآخرين سواء كانوا أشخاصا أو مؤسسات ، أو توجيه اللوم للقدر : أنا المسئول.. الذي حصل بسببي! لماذا يحدث لي هذا ؟ من المسئول عن المصيبة ؟ لا بد من محاسبتهم ! ، طفلي بريء فلماذا يتعذب ؟ لماذا يبتليني ربي بهذه المصيبة ويترك فلان الفاسق الظالم ؟
مرحلة صعبة وحرجة يمر بها بعض المؤمنين بدرجات متفاوتة بسبب حرارة المصيبة، قد تكون ظاهرة في كلامه وتصرفاته وقد يكتمها في خلجات صدره.
المصاب في هذه الحالة لا يستجيب بسهولة وطواعية لتوجيهات من حوله ، لذلك لا يُنصح بتقديم التعليمات والتوجيهات بصيغة الأمر المباشر . اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأَحَدُهُما يَسُبُّ صَاحِبَهُ، مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وجْهُهُ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لو قالَهَا لَذَهَبَ عنْه ما يَجِدُ ، لو قالَ: أعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَقالوا لِلرَّجُلِ: ألَا تَسْمَعُ ما يقولُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ: إنِّي لَسْتُ بمَجْنُونٍ. رواه البخاري ومسلم.
فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بشكل مباشر ولم يعاتبه على شدة غضبه ، ولما أمره الصحابة ، قال : إني لست بمجنون !.
لا توجه ولا تعاتب المصاب أثناء شدة غضبه ، وإنما حاول تهدئته بالتربيت عليه أو احتضانه أو الإمساك بيده بين يديك وردد على مسمعه كلمات هادئة بصوت واضح، مثل : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لا إله إلا الله ، اللهم أنزل السكينة في قلب فلان (وهو يسمع اسمه)، يا أرحم الراحمين .. وكررها دون أن تأمره بقولها.
أجلسه إن كان واقفا لأن الجلوس أقرب للسكينة وأقل عرضة لإيذاء المصاب نفسه أو الآخرين ، قدم له كوب ماء ليشرب لأن المفجوع يجف حلقه والشرب قد يقطع عليه _ ولو جزئيا _ حالة الاضطراب التي يعانيها.
في الأغلب لن يستفيد من المواعظ والتذكير والنصائح العملية لأن ذهنه مشوش جدا بحرارة المصيبة .
قد تستغرق هذه الحالة دقائق أو ساعات أو أياما ..بحسب طبيعة الشخص وتنشئته ، والذين تطول معهم تراهم يرفعون الشكاوى والدعاوى ضد من يوجهون له اللوم، أو يتساءلون لدى المستشارين والفقهاء والدعاة عن الحكمة من الابتلاء ويظهر في كلماتهم الاعتراض على القدر أو على الأقل الألم الشديد من وقع المصيبة.
دور المستشار والمفتي الأخذ بيده برفق ومساعدته ليتجاوز هذه المرحلة بأقل الخسائر الدينية والدنيوية ؛ قال موسى عليه السلام للخضر لما عاتبه على سؤاله عن خرق السفينة ﴿ قَالَ لَا تُؤَاخِذۡنِی بِمَا نَسِیتُ وَلَا تُرۡهِقۡنِی مِنۡ أَمۡرِی عُسۡرࣰا﴾ الكهف ٧٣ ، "قال موسى معتذراً: لا تؤاخذني بنسياني شرطك عليَّ، ولا تكلفني مشقةً في تعلُّمي منك، وعاملني بيسر ورفق." (التفسير الميسر).
أما إذا لم يكن الغضب والجزع شديدا فأرشده بلطف إلى الصبر والاسترجاع والهدوء ، ولا تلمه على عدم القبول..
لَمَّا مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على المرأةِ الَّتي وجَدَها تبْكي على القَبرِ؛ لِفقْدِ أحدِ أحبَّائِها، قال لها «اتَّقِي اللهَ واصْبِري»، أي: اتَّقي اللهَ ولا تَجزَعِي الجزعَ الذى يُحبِطُ الأجرَ، فلَمْ تَعرفْه المرأةُ فقالتْ له: إليكَ عنِّي؛ فإنَّك خِلْوٌ مِن مُصيبَتي، أي: لم تُصَبْ بما أُصِبْتُ به، فَجاوزَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومضَى في طريقِه ولم يَنتهِرْ المرأةَ لَمّا ردَّتْ عليه قولَه، بل عذَرَها بمُصيبتِها ، فأخبرها رجلٌ بأنَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالتْ: ما عرفْتُه، ثُمَّ جاءتْ إلى بيتِه، فلم تَجِدْ عليه بوَّابًا، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثرَ النَّاسِ تَواضعًا لا يقِفُ على بابِه بوَّابٌ أو حارسٌ أو حاجِبٌ، فأتتْهُ وقالتْ له: واللهِ ما عرفتُك، فقالَ لها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّ الصَّبرَ عندَ أوَّلِ صَدمةٍ»، يعني: أنَّ الصَّبرَ المحمودَ الذي يُؤجَر عليه يكونُ عندَ صَدمةِ المصيبةِ الأُولَى وبدايتِها . (موقع الدرر السنية) .
القلق والمساومة : يخاف بشدة من نتائج المصيبة ، وتعظم في عينه السلبيات ، ويردد كلمات مثل : ليتني أعيش لأرى أطفالي يكبرون .. سأفعل أي شيء ليكون حبيبي بخير .. كيف سأعيش بعد زوجي ؟ من سيرعى هؤلاء الصغار ؟.
الحزن : حالة طبيعية جدا يمر بها المصاب ، وليست نقصاً في دينه أو شخصيته ، فهذا أكمل الخلق صلى الله عليه وسلم يظهر عليه الحزن وتذرف عيناه الشريفتان في عدة مصائب كوفاة ابنه إبراهيم عليه السلام " إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ." ، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : قَنَتَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَهْرًا حِينَ قُتِلَ القُرَّاءُ ( أي دعا في صلاته على القبائل الغادرة التي قتلت القراء الذين بعثهم للتعليم والدعوة)، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَزِنَ حُزْنًا قَطُّ أَشَدَّ منه. رواه البخاري ومسلم .
لا تكبت مشاعر الحزن ولا تحبس دموعك، فظهورها يخفف ألم المصيبة ويجعل أحبابك يقتربون منك ويسلونك ويدعون لك ، وشجع المصاب بمصيبة شديدة على التعبير عن مشاعره ، مادام ذلك خاليا من المحاذير الشرعية كالنياحة والصراخ واللطم وشق الجيوب وما ماثلها.
الحزن المنهي عنه في القرآن هو الشديد الذي سببه ضعف اليقين بالله وعدم الرضا بقضائه ، أو الذي ينتج عنه اليأس وترك العمل .
إذا بدر من المحزون محذور شرعي وجب نصحه وتوجيهه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وكفه عن المنكر قدر الاستطاعة ، فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على نساء جعفر بن أبي طالب النياحة عليه ورفع أصواتهن بالبكاء على عادة النساء في الجاهلية ، فلما لم يستجبن لنهيه شدد عليهن الإنكار ، فالمحزون والمصاب مازال عقله معه، وغالبا لديه القدرة على ضبط تصرفاته بمساعدة وتوجيه من حوله ، بخلاف حالة الغضب الشديد.
الاكتئاب : هو استمرار مشاعر الحزن والأسى مع العزلة وفقدان الأمل والانقطاع عن ممارسة الأعمال النافعة .. يتساءل : ما الفائدة من أي شيء أفعله ؟ خلاص ..انتهى كل شيء.. !
قد يصعب إبهاج الشخص في هذه المرحلة ، ويحتاج بعض الوقت لينتقل منها بإذن الله إلى حالة التقبل ثم الطمأنينة.
أما إذا استمرت أعراض الاكتئاب لعدة أسابيع بعد المصيبة ، فلابد من تدخل الإرشاد النفسي للمساعدة على التعافي والعودة لممارسة الحياة بشكل طبيعي أو قريب من الطبيعي .
من الأخطاء الشائعة ربط الاكتئاب بضعف الإيمان ، واعتباره علامةً على قسوة القلب وعدم الطمأنينة لذكر الله !. هو ابتلاء في الصحة النفسية الوجدانية كالابتلاء في البدن بمرض السكر والضغط والحساسية ، وبعض الأشخاص أكثر عرضة للاكتئاب من البعض الآخر بغض النظر عن درجة إيمانهم .
قبل أن يُبتلى المؤمن بالاكتئاب تجده منشرح الصدر للقرآن والذكر، وتمر به بعض ليالي رمضان وكأنه في الجنة من عظيم ما يجد من لذة العبادة والصلاة ﴿ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾ [الرعد ٢٨] ، لكن مع الاكتئاب يفقد المؤمن نعمة السعادة والأنس ابتلاءً وامتحاناً ، وتصير عبادة الصبر والاسترجاع هي المطلوب في حقه إلى أن يتعافى .
ومن الخطأ حصر علاج الاكتئاب في الرقية الشرعية فقط ، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المحزون إلى تناول التلبينة ( نوع من الطعام ) وقال : يذهب ببعض الحزن ! كما أن الله سبحانه وتعالى قد امتن على المؤمنين بالنعاس أمنةً منه في غزوة بدر ﴿إِذۡ یُغَشِّیكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةࣰ مِّنۡهُ ﴾ الأنفال ١١ ، فكان النعاس دواءً للقلق والخوف ، كما كانت التلبينة دواءً لبعض الحزن، وهكذا يشترك في علاج الأمراض الوجدانية : الرقية الشرعية وتحسين النوم والغذاء الصحي وجلسات العلاج السلوكي المعرفي والعقاقير الدوائية إن لزم الأمر حسب تقييم أخصائي العلاج النفسي .
روى الإمام مالك في الموطأ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: هَلَكَتْ امْرَأَةٌ لِي فَأَتَانِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ يُعَزِّينِي بِهَا فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ عَابِدٌ مُجْتَهِدٌ وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا وَلَهَا مُحِبًّا فَمَاتَتْ فَوَجَدَ عَلَيْهَا وَجْدًا شَدِيدًا وَلَقِيَ عَلَيْهَا أَسَفًا حَتَّى خَلَا فِي بَيْتٍ وَغَلَّقَ عَلَى نَفْسِهِ وَاحْتَجَبَ مِنْ النَّاسِ فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَإِنَّ امْرَأَةً سَمِعَتْ بِهِ فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ إِنَّ لِي إِلَيْهِ حَاجَةً أَسْتَفْتِيهِ فِيهَا... وَلَزِمَتْ بَابَهُ وَقَالَتْ مَا لِي مِنْهُ بُدٌّ... فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهَا فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: إِنِّي جِئْتُكَ أَسْتَفْتِيكَ فِي أَمْرٍ، قَالَ وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ إِنِّي اسْتَعَرْتُ مِنْ جَارَةٍ لِي حَلْيًا فَكُنْتُ أَلْبَسُهُ وَأُعِيرُهُ زَمَانًا ثُمَّ إِنَّهُمْ أَرْسَلُوا إِلَيَّ فِيهِ أَفَأُؤَدِّيهِ إِلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ مَكَثَ عِنْدِي زَمَانًا؟ فَقَالَ: ذَلِكِ أَحَقُّ لِرَدِّكِ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ حِينَ أَعَارُوكِيهِ زَمَانًا، فَقَالَتْ: أَيْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَفَتَأْسَفُ عَلَى مَا أَعَارَكَ اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْكَ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ؟ فَأَبْصَرَ مَا كَانَ فِيهِ وَنَفَعَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهَا .
فهذا العالم الفقيه العابد أصابه حزن شديد على فقد زوجته بلغ درجة الاكتئاب المؤقت، فاعتزل الناس وأغلق بابه وترك التعليم والفتيا إلى أن انتفع بالمعالجة النفسية التي قدمتها له تلك المرأة الحكيمة .
التقبل : نهاية المعاناة من ألم المصيبة وحرارتها ، وبداية الاستعداد للمستقبل .. " ما حدث حدث ، ولابد من مواصلة الحياة " ، لكنه ليس كسابق عهده قبل المصيبة ، فما زال يفضل العزلة أحيانا ويشرد ذهنه في ذكريات المصيبة ونتائجها ، وما زال يحتاج بعض الوقت ليندمج في الأنشطة اليومية والاجتماعية .
الطمأنينة : هي سكون القلب ، والشعور بالرضا بقضاء الله وقدره ، وانشراح الصدر لمناشط الحياة من جديد ، وحسن الظن بالله بأن القادم أجمل .
الطمأنينة والسعادة بعد المصيبة لا تختص بالمؤمنين فحسب ، بل تحصل لبعض الكفار، لأسباب منها :
الجبلّة والطبيعة التي خلق الله عليها بعض البشر ، مؤمنهم وكافرهم ، فالبعض طبيعته صلابة النفس وقلة التأثر بالأحزان .
ومنها : الدعاء الخالص من القلب وقت الاضطرار ﴿أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ﴾ النمل ٦٢ ، "ولهذا كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله مخلصين له الدين لعلمهم أنه وحده المقتدر على دفعه وإزالته ." (تفسير السعدي) ، فالمكروب المضطر إذا دعا الله خالصاً من قلبه أجاب الله دعوته ولو كان كافرا .
ومنها : الأعمال الدنيوية الحسنة كالصدق والأمانة ومساعدة الضعفاء ، فيكافئهم الله في الدنيا بسعة الأرزاق وراحة النفوس ، حتى إذا لقوا الله يوم القيامة لم يبق لهم من تلك الحسنات شيء فأخذهم الله بكفرهم لأن دعوة الإسلام بلغتهم في حياتهم فلم يقبلوها ، ﴿مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا وَزِینَتَهَا نُوَفِّ إِلَیۡهِمۡ أَعۡمَـٰلَهُمۡ فِیهَا وَهُمۡ فِیهَا لَا یُبۡخَسُونَ﴾ هود ١٥، " من كان يريد بعمله الحياة الدنيا ومُتَعَها الفانية ولا يريد به الآخرة، نعطهم ثواب أعمالهم في الدنيا: صحة، وأمنًا، وسعة في الرزق، لا ينقصون من ثواب عملهم شيئًا..(المختصر في التفسير) ﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَیۡسَ لَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا۟ فِیهَا وَبَـٰطِلࣱ مَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ هود ١٦
ويقول عليه الصلاة والسلام " إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بها في الدُّنْيا ويُجْزَى بها في الآخِرَةِ، وأَمَّا الكافِرُ فيُطْعَمُ بحَسَناتِ ما عَمِلَ بها لِلَّهِ في الدُّنْيا، حتَّى إذا أفْضَى إلى الآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ له حَسَنَةٌ يُجْزَى بها". رواه مسلم .
الطمأنينة التي نريد المؤمن أن يصل إليها بعد المصيبة وعند تكاثر الهموم طمأنينة خاصة لا يشعر بها الكافر، لأنها ممتزجة بنور الإيمان والوحي ومرتبطة باستعداده لليوم الآخر وتشوفه لنعيم الجنة وثوابها .
يتفاوت المؤمنون تفاوتا كبيرا في الوصول لهذه الحالة ، فبعضهم يصلها بفضل الله وعونه بمفرده، وبعضهم يحتاج مساعدة من حوله . البعض يستغرق أياما قليلة والبعض الآخر يحتاج أسابيع ، إلا أن الله سبحانه قد اختص طائفة قليلة من المؤمنين فوهبهم الطمأنينة فور وقوع المصيبة ومهما تكاثرت الهموم ﴿ذَ ٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾.
لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واضطرب الصحابة ، جاءَ أبو بَكْر رضي الله عنه، فَكَشَفَ عَن وجْهِه صَلَّى الله عليه وسلَّم وقَبَّلَه بَينَ عَينَيْه ..، ثمَّ خَرَجَ إلى الناس، وقالَ: ألَا مَن كانَ يَعبُد مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَد ماتَ، ومَن كانَ يَعبُد اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لا يَموت... ظهرت فضيلة أبي بكر رضي الله عنه بما أنزل الله في قلبه من الطمأنينة الفورية والثبات الراسخ .
نحتاج كلنا للوصول لحالة الطمأنينة، فهي راحة في الدنيا ورفعة في الآخرة، ويحتاجها أحبابنا من حولنا عند تعرضهم للمصائب والفواجع وتكاثر الهموم .
الأركان الأربعة للوصول إلى الطمأنينة
يقول صلى الله عليه وسلم : "احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وإنْ أَصَابَكَ شيءٌ فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ، فإنَّ لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ". (أي بالتأسف على ما مضى والتبرم من القدر) . رواه مسلم .
الركن الأول : احرص على ما ينفعك ؛ لابد من استجماع القوة ، والسعي في حل المشكلات ، واستشارة أهل الخبرة ، والمبادرة لكل ما ينفع في تجاوز الهم وآلام المصيبة ، حتى لو اشتمل ذلك على بعض المشقة والتعب ومخالفة النفس ورغبتها في الخمول والانعزال ، لأن الانهماك في تنفيذ الحلول العملية والأعمال المفيدة (كالعودة للوظيفة أو الدراسة أو النشاط التجاري أو الهوايات النافعة أو المبادرات الإيجابية أو الأنشطة الدعوية والتعليمية) يرفع المعنويات ويقلل التفكير في الهموم والأحزان ويُعجل بالتعافي والوصول للطمأنينة .
الركن الثاني : استعن بالله ؛ اسأله أن ينزل في قلبك السكينة مراعياً أوقات الإجابة ، وأعط المزيد من الوقت للصلاة بهدوء وخضوع وافتقار . اقرأ القرآن بتدبر ولو آيات معدودة في كل جلسة ، وأكثر من الاسترجاع (قول إنا لله وإنا إليه راجعون) ، والاستغفار ، والتسبيح ، وقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، والصلاة على النبي ﷺ . هكذا أمرنا الله في الشدائد والكروب ، وهكذا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؛ يفزعون إلى الله بالدعاء والضراعة والذكر وكثرة الصلاة ، وهكذا كان السلف الصالح ومن بعدهم .
الركن الثالث : لا تعجز ؛ لا تعجز عن الحرص على ما ينفع ، ولا تعجز عن الاستعانة بالله ، ستمر بك لحظات من الضجر واليأس ، وفترات من الملل والإجهاد ! سترد عليك خواطر بالتوقف عن العمل وترك الدعاء ، لا تستجب لها .. قاوم .. ﴿وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [العنكبوت ٦٩] كلما جاهدنا أنفسنا من أجل الله وقاومنا الإحباط والخواطر السلبية هدانا الله لطرق النجاح والفلاح ، وصار معنا بتوفيقه وتسديده .
"لا تعجز" ليست نقطة فرعية ثانوية تابعة لما قبلها ، بل ركن أساسي للوصول للطمأنينة ولكل نجاح ، فالكثيرون يحرصون على ما ينفعهم لكنهم يستسلمون للعقبات ولو كانت يسيرة ، والكثيرون يطلبون العون من الله لكنهم يتوقفون إذا رأوا أن إجابة الدعاء تأخرت !
الركن الرابع : أغلق باب الوساوس ؛ كلما شغلك الهم والحزن ، لا تسترسل بقول : لو ... ليت .. لماذا .. فإنها تفتح للشيطان باب الوسوسة ، وهو الأمر الذي يعمله الشيطان بجد واجتهاد لزيادة حزنك وإحباطك وإضعاف إيمانك وثقتك بالله. استبدل ذلك فوراً بالتفويض لله والرضا بقضائه قائلاً : قدَر الله وما شاء فعل .
الوساوس لا تقف عند حد معين ، بل تتواصل تحت وطأة المعاناة لتصل إلى معاتبة القدر، والتساؤل بحرقة : لماذا أُبتلى أنا دون غيري ؟ ولماذا لا تنكشف لنا الحكمة من وقوع هذه المصائب ؟ ولماذا لا يُستجاب لدعائي ؟ وهل هي عقوبة أم رحمة أم ماذا ؟ وسنناقش تلك التساؤلات مع توضيح الأسلوب الأمثل للتعامل معها بإذن الله .
فيما يلي مزيد توضيح لهذه الأركان مع مجموعة من الإرشادات والأفكار العملية ، لعل فيها ما يعين على الوصول للطمأنينة في أسرع وقت ممكن وبأقل الخسائر.
شرح الله صدورنا ويسر أمورنا وهدانا لصالح القول والعمل .. آمين .
احرص على ما ينفعك
الاشتراك مع الآخرين في عمل إيجابي يجعل التعافي من الهموم أسرع ، ويسهل الوصول للطمأنينة
في اليوم التالي لغزوة أحد، والمسلمون يعانون جراحاتهم الشديدة وآلامهم النفسية، إذا بمنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي الصحابة الذين حضروا الغزوة بالأمس للخروج لملاحقة المشركين وتخويفهم !
استجابوا فوراً وخرجوا معه وهم جرحى حتى إن بعضهم حُمل على الأعناق لعدم قدرته على المشي، وساروا حتى بلغوا مكاناً يسمى (حمراء الأسد) على بعد ثمانية أميال من المدينة، وعلم المشركون بخروج النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه لملاحقتهم، فألقى الله الرعب في قلوبهم وأسرعوا هاربين تجاه مكة، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وقد ارتفعت معنوياتهم وخف عليهم أثر المصيبة، وأنزل الله ثناءه عليهم بقوله ﴿ٱلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡا۟ أَجۡرٌ عَظِیمٌ﴾ [آل عمران ١٧٢]
حالة طلاق
قال جابِر بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه : طُلِّقَتْ خالَتِي، فأرادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَها، فَزَجَرَها رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فأتَتِ النبيَّ ﷺ، فَقالَ: بَلى فَجُدِّي نَخْلَكِ، فإنَّكِ عَسى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا. رواه مسلم
أرادت هذه المطلقة أن تخرج إلى مزرعة نخلها لتقطع الثمر، فنهاها أحد أقاربها عن الخروج ظناً منه أن المطلقة لا تخرج من بيتها البتة مادامت في العدة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فشجعها على الخروج لحاجتها وقطف ثمر نخلها ، ونبهها للصدقة منه أو تصنع معروفا بأي وجه من أوجه البر ، لأن البر بالغير سببٌ في كسب الأجر ونزول البركة في المال . وفي الحديث دليل على أهمية سؤال العالم والمختص في المسائل المشكلة وعدم الاعتماد على المعلومات العامة أو نصائح بعض الأقارب والأصدقاء.
الهموم والأحزان الاجتماعية تسلو بالعمل النافع، ومتى توفرت البيئة الآمنة للمرأة فالانشغال بالعمل وتحصيل الكسب خيار مناسب وإيجابي، مع استحضار نية الصدقة وبذل المعروف أو نفع الناس وقضاء حوائجهم حسب طبيعة العمل ، فإن لم يكن بها حاجة للعمل اشتغلت بهواية نافعة .
أزمة ديون
روى البخاري في صحيحه قصة الديون الضخمة التي كانت على الزبير بن العوام رضي الله عنه ، وخلاصتها أنَّ الزُّبَير بن العَوَّامِ يَومَ معركة الجَمَلِ دعا ابنَهُ عبْدَ اللهِ وأخْبَرَه أنَّهُ يَظُنُّ أنَّه سَيُقتَلُ في المعركة مَظلومًا ، وأنَّ مِنْ أكبَرِ هَمِّهِ الدَّيْنَ، ويَظُنُّ أنَّ دَيْنَهُ لنْ يُبْقِيَ مِن مالِهِ شَيئًا لكَثْرة الدين . ثُمَّ طَلَبَ مِن عَبدِ اللهِ أنْ يَبيعَ بعض أملاكه ويَقضيَ دَينَهُ، ويَقولُ: يا بُنَيَّ، إنْ عَجَزْتَ عنهُ في شَيءٍ فاسْتَعِنْ عليه مَولاي، فَسألَهُ: يا أبَتِ، مَنْ مَولاكَ؟ فأجابَهُ: اللهُ، وهذا مِن التَّسليمِ التَّامِّ للهِ والتَّوكُّلِ عليه . وأوْصَى بالثُّلُثِ مِن مالهِ للمساكين إن بقي شيء بعد قضاء الدين، وكان للزُّبَيرِ يَومَ وَصيَّتِهِ تِسعةُ بَنينَ وتِسْعُ بَناتٍ.
قُتِلَ رضِيَ اللهُ عنه في تلك المَعركةِ ، ولمْ يترك دِينارًا ولا دِرهمًا، وإنَّما تَرَكَ أراضي، منها أرضٌ عَظيمةٌ في ضاحية العوالي بالمَدينةِ تسمى الغابة، ومجموعة من الدور في عدة مدن، فقام عبدالله بن الزبير بالوصية وسعى في حصر ديون أبيه وبيع الأراضي والدور، فكان الدين مِلْيونينِ ومِئتيْ ألْفِ دِرهَمٍ. قال بعض الصحابة لعبدالله : واللهِ ما أرَى أموالَكُمْ تَكفي لهذه الدُّيونِ، وعرضوا المساعدة، فرفض، وبدأ في بيع الدور والأراضي، ويُقسِمُ عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه لم يَقَعْ في كُرْبةِ أثناءِ قَضاءِ الدَّينِ، إلَّا استعانَ باللهِ ويَقولُ: «يا مَوْلَى الزُّبَيْرِ، اقْضِ عنْه دَينَهُ، فيَقْضِيهِ» اللهُ سُبحانه.
بارك الله في الأراضي والدور، ومن ذلك أنه باع الغابةَ وحدها بمِليونٍ وسِتِّ مئةِ ألْفٍ دِرهمٍ ، وكان الزبير قد اشتراها بمئة وسبعين ألفا ! ، ثم أعلن عبدالله في الناس أن من كان له دين على الزبير فليأت ليوافيه، فقضى الدائنين، وبقي للورثة مال وفير، ثم انتظر أربع سنوات قبل قسمته عليهم، وفي كل سنة يعلن في موسم الحج عمن كان له دين على الزبير؟ لأنَّ الغالِبَ أنَّ المسافةَ التي بيْن مكَّةَ وأقطارِ الأرضِ تُقطَعُ في ذلك الزَّمانِ في سَنَتينِ، فأراد أنْ تَصِلَ الأخبارُ إلى الأقطارِ، ثمَّ تَعودَ إليه، فيَكون بذلك قدِ استَبرَأَ ذِمَّةَ أبيهِ.
فلمَّا مَضى أربعُ سِنينَ قَسَمَ بيْنهم ، وكان جَميعُ مالِهِ خَمسينَ مِليونًا ومِئتي ألْفٍ!.
عمل دؤوب عدة سنوات لإزاحة هم الدين وإبراء الذمة، مع نية حسنة بالتصدق بثلث المال المتبقي.
مبادرة المهموم والمبتلى لتخفيف معاناة أمثاله
هل فكرت في كتابة تجربتك بشكل مختصر كهذه : تجربة زميل مع الاكتئاب .
أو بشكل مطول كهذه : فتاة جامعية تبتلى بالسرطان في ركبتها .. عاشت صدمة الخبر ومخاوف التشخيص وآثار الكيماوي وآلام العمليات الجراحية .. جمعت بين البكاء والثبات ، والحزن والاسترجاع ، وكيف منّ الله عليها بالشفاء والنجاح الدراسي ثم الزواج والإنجاب !
إن كانت تجربتك قابلة للنشر فاستخدم وسائل التواصل الاجتماعي ولو باسم مستعار، انشرها مكتوبةً أو صوتيا أو مرئيا واحتسب الأجر ليستفيد منها أمثالك في المعاناة ، ستدرك أنك لست الوحيد ، وسيشعرون أنهم ليسوا الوحيدين ، سيتعلمون منك خطوات عملية غابت عنهم ، وقد يحكون من تجاربهم ما تنتفع به ! بإذن الله ستتحسن مشاعرك ، وستكسب دعوات صالحات .
ومجرد بوحك بتجربتك يخفف عنك مرارة الألم ، كما أن مشاركة الآخرين آلامهم يخفف عنهم ، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ضمن قصة حادثة الإفك وما أصابها من الحزن الشديد : وقدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ ويَوْمًا حتَّى أظُنُّ أنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبيْنَا هُما [تعني أبويها] جَالِسَانِ عِندِي، وأَنَا أبْكِي، إذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ، فأذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي ! . فهذه الأنصارية رضي الله هنها جاءت فقط لتشارك عائشة البكاء ، فما زالت عائشة رضي الله عنها تذكر موقفها ذلك وتقصه ضمن تفاصيل الحادثة لأثره الإيجابي عليها .
العناية بالمظهر وعدم الاستسلام للهم والحزن
تقول زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ: دخَلْتُ على أمِّ حبيبةَ حينَ تُوفِّي أبوها أبو سفيانَ بنُ حربٍ فدَعتْ أمُّ حبيبةَ بطِيبٍ وتطيبت به ثمَّ قالت: واللهِ ما لي بالطِّيبِ مِن حاجةٍ غيرَ أنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ( لا يحِلُّ لامرأةٍ تؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ أنْ تحِدَّ على ميِّتٍ فوقَ ثلاثٍ إلَّا على زوجٍ أربعةَ أشهُرٍ وعشْرًا ) ، وكذلك فعلت زينب بنت جحشٍ حينَ تُوفِّي أخوها عبدُ اللهِ بنُ جحشٍ . رواه ابن حبان وأصله في الصحيحين .
رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تظهر الحزن بترك الزينة والطيب (الحداد) عند وفاة قريبها أو عزيز عليها مراعاةً لطبيعة البشر وتجنبا لأضرار كتمان الحزن، إلا أنه منعها من الزيادة على ثلاثة أيام (باستثناء الحداد على الزوج) ، فتعود لممارسة الحياة الطبيعية حتى لو بقي الحزن في القلب ، فالتطيب والعناية بالمظهر ينعكس على المشاعر والمزاج بشكل إيجابي ، والعكس صحيح ؛ إهمال المظهر وترك الزينة يزيد من الإحباط والانكسار خصوصاً عند النظر في المرآة . وهذا الأثر ليس خاصاً بالمرأة بل يشترك فيه الرجل أيضاً .
رجوعك لعملك ودراستك وهواياتك وحضور المناسبات الاجتماعية بعد تجاوز المراحل الأولى من الصدمة يساعدك على التعافي السريع ، ولا يعني أنك تنكرت للمصيبة وأهلها ، فالجميع يريد لك الخير والسلوان.
الطرفة البريئة واللهو المباح ..
في قصة مطالبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم له بزيادة النفقة ، جلس عليه الصلاة والسلام ساكتاً مهموماً ، ولم يأذن لأحد من الصحابة بالدخول عليه ، فاستأذن عمر بن الخطاب فأذن له ، فقال في نفسه : لأقولن شيئا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حكى له موقفاً بينه وبين زوجته عن النفقة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وتحدث عن مطالبة أزواجه له ..
قد تكون الطرفة البريئة والتعليق المضحك تفريجاً للمهموم وبداية جيدة لمدارسة الحلول وتجاوز العقبات ، امنح نفسك فرصة الابتسامة ولا تقل "كيف أبتسم وأنا مهموم" ، الابتسامة قد تكون بداية الحل !
اللهو المباح كالألعاب والمسابقات البدنية ، وأحاديث الأنس والذكريات الجميلة ، والأهازيج الفرائحية ، ومبادلة الطرائف والنكت الخالية من الفحش والغيبة والاستهزاء .. كل ذلك له أثر سريع وإيجابي في الخروج من حالة الضيق والحزن .
قال الله لمريم عليها السلام وهي في عز محنتها ﴿فَكُلِی وَٱشۡرَبِی وَقَرِّی عَیۡنࣰاۖ ..﴾ [مريم ٢٦] فكلي من الرطب، واشربي من الماء وطيبي نفسًا بالمولود..
السفر والسياحة والنزهة البرية مع رفقة مؤمنة وخفيفة الظل من الوسائل المجربة والنافعة جداً .
المشكلة التي ليس لها حل !
كثرة التفكير فيها والقلق بشأنها لن يحلها ، والأفضل للمؤمن أن يعمل على تخفيف آثارها عليه بإصلاح ما يمكن إصلاحه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، ثم التشاغل عنها بأمور أخرى . يخبرنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيت إحدى زوجاته وعنده بعض الصحابة، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بقصعة فيها طعام، فغارت صاحبة البيت وضربت يد الخادم، فسقطت القصعة فانفلقت نصفين، فضم النبي صلى الله عليه وسلم نصفي القصعة، وجعل يجمع فيها الطعام، ويقول: " غارت أمكم، غارت أمكم "، ويقول للقوم: " كلوا "، وأمر بقصعة صحيحة من عند صاحبة البيت، فأرسلها إلى التي كُسرت قصعتها . (القصة رواها البخاري وغيره) . الغيرة ليس لها حل ، والموقف قد يكون محرجاً وسبباً للغضب والقلق عند أكثر الرجال ، لكن النبي الكريم صاحب الخلق العظيم عليه الصلاة والسلام هون الأمر على نفسه وأصحابه وأخبرهم بكل شفافية أن سبب الموقف غيرة طبيعية ، ثم جمع الطعام وانشغلوا بأكله ، وعوض صاحبة القصعة بالبديل .
متى يحتاج المهموم والمحزون إلى رأي الأخصائي النفسي؟
عندما يشعر بواحد أو أكثر مما يلي :
• إذا زادت أعراض الاكتئاب عن أسبوعين (حزن متواصل ، وانعزال عن الناس ، واضطراب النوم ، وفقدان المتعة في الأشياء التي كان يحبها سابقاً ، وشعور بعدم الجدوى من أي شيء يفعله) .
• إذا شعر بالملل من الحياة ورغب في الموت .
• إذا تغير سلوكه وتصرفاته بشكل غير مناسب له أو للآخرين .
• إذا شعر بخواطر ووساوس قوية لا يستطيع مقاومتها حول الإيمان والكفر.
• إذا صار يشكو من أعراض جسمية ولا يتبين سببها لدى الطبيب الباطني (صداع - قولون - دوخة - خفقان - آلام الصدر- تقلصات عضلية..) فقد يكون سببها القلق النفسي والاكتئاب وتُسمى : أعراض نفسجسمانية .
أبشرك إن شعرت ببعض ذلك أو كله .. أن الأخصائي النفسي سيطمئنك أنه يحصل للكثيرين في نفس ظروفك ، ويتحسنون بحمد الله مع الخطة العلاجية .
خصوم الطمأنينة
* الفراغ والعزلة والوحدة : تزيد الشعور بالكآبة وتكثر بسببها الخواطر السلبية . قاوم رغبتك في الانعزال عن الناس والمناشط اليومية ، وبادر للعمل ومجالسة الآخرين الذين ترتاح للجلوس معهم .
* الخمول البدني و الأكل غير الصحي : يزيدان عدم الرضا عن الذات ويضعفان الثقة بالنفس . مارس الرياضة المناسبة لسنك ووضعك ولو كانت مجرد تمارين خفيفة ؛ ستشعر بأثرها الإيجابي على مزاجك بمجرد ما يلهث نفسك !
* اللهو الباطل والحفلات الصاخبة والخمور: هروب سلبي من مواجهة الأزمة ، وتأخير لحلها ، بل وزيادة مضاعفاتها ، وارتكاس في أحضان الشيطان . اقترب من الله أكثر وأعد ترتيب أولوياتك في الحياة لتكون الدار الآخرة نصب عينيك وأول اهتماماتك .
* الأشخاص السلبيون : وهم كل شخص يزيد همك أو يشعرك بالعجز عن مواجهة المصيبة أو يلهيك عن مواجهتها باللهو الباطل . جالس الصالحين الإيجابيين .
* استرجاع الأخطاء والتحسر على ما مضى : يزيد الحسرة ولا ينفع صاحبه .
استعن بالله
هل عرفنا الله حقاً ؟
من عرف الله هانت مصيبته . والمعرفة مكونة من جزئين : الأول : الإدراك الذهني ، فالمسلمون عموماً لو سألتهم من هو الخالق الرازق المدبر الحكيم ؟ لقالوا بشكل بدهي : الله . الجزء الثاني من المعرفة : هو تصديق القلب ويقينه بذلك ، وبهذا الجزء يتباين المؤمنون في معرفتهم بالله تبايناً كبيراً ! وعلى قدر التباين في هذه المعرفة تختلف ردود أفعالهم عند نزول المصائب وتكاثر الهموم .
أبوان ولد لهما طفل يعاني من بعض التشوهات الخلقية ، ويحتاج إلى تدخل جراحي . كانا خائفين من نتائج العلاج الجراحي وقلقين على مستقبل الطفل ، فسألا عن جرّاح متميز ليعرضاه عليه ، وأخبرهما عدة أطباء عن أحد الجراحين في مدينة أخرى . سافرا لعيادته ، وأثناء الانتظار استمعوا لثناء المراجعين الآخرين على أمانة الجرّاح وصدقه وحسن خلقه ، وكيف تحسنت حالة أطفالهم بعد العمليات الجراحية فزادت قناعتهما به . قابلا الطبيب وفحص الطفل ثم أخرج لهما ملفاً فيه صور أطفال يعانون من نفس التشوهات قبل وبعد العملية الجراحية ، وطمأنهما أن طفلهما سيكون بخير بعد العملية كما في الصور ، وأخبرهما بوضوح أن العملية سيتبعها آلام وبعض الصعوبات لمدة أسبوعين إلى أربعة أسابيع .
اطمأنا لكلامه وتشجعا على العملية سائلين عن أقرب موعد !! فأخبرهما أن التوقيت المناسب يختلف من طفل لآخر حسب العمر والوزن وحجم التشوهات ، وأن إجراءها حالياً لطفلهما لا يعطي النتائج المطلوبة فالأفضل هو الانتظار لبضعة أشهر، فشكيا له قلقهما وحزنهما عليه ورغبتهما في علاجه في أقرب فرصة ، فقال لهما : تريدان أن أجري له العملية غداً استجابة لطلبكما أو أؤجلها عدة أشهر بناءً على خبرتي لتكون النتائج أفضل ؟ كما فعلت مع هؤلاء ، مشيراً إلى ملف الصور ؟! أطرق الأبوان قليلاً وتأملا الملف ثم أجابا بالموافقة على الموعد الذي يختاره الطبيب .
أعطاهما الطبيب مجموعة إرشادات يستعملانها مع الطفل لتكون جاهزيته للعملية على الوجه المطلوب ، كما أعطاهما موظف الاستقبال فاتورة العملية لتُدفع مقدماً . دفعا المبلغ والتزما بالإرشادات عدة أشهر متحملين مرارة التشوهات ومتفائلين بالنتائج .
أخبرهما الطبيب بأن الوقت المناسب قد حان . أُجريت العملية ، وعانى الطفل من آلامها كثيراً ، وسهرت معه أمه عدة ليالٍ لا تهنأ بالنوم ، وكانت أخته الكبرى ذات الأربع سنوات تقول كلما رأته يبكي من الألم : أنا أكره الدكتور .. جرحه وجعله يبكي ! فتشرح لها الأم حاجته للعملية وتشجعها على الصبر والدعاء لأخيها، وكان الأبوان يعزيان نفسيهما بمستقبل أجمل ، كما كان الطبيب يطمئنهما في كل زيارة .
تحسنت حالة الطفل بالفعل .. انتهت الآلام .. وزال التشوه بالكامل .. وفي آخر زيارة للطبيب قدم له الأبوان شكرهما الجزيل على نصحه وصدقه معهم ، كما قدما لموظف الاستقبال مبلغاً يغطي تكلفة علاج عدة أطفال يعانون من نفس المشكلة وأهلهم لا يملكون المال الكافي .!
عرف الأبوان تميز الطبيب بذكر الأطباء له ، فنتج عن هذه المعرفة المبدئية ذهابهما لعيادته خارج المدينة ، لكن ثناء المراجعين عليه وحكايتهم لتحسن أطفالهم ، ثم مشاهدة ملف الصور جعلت الأبوين يوقنان بتميزه ، ونتج عن هذا اليقين قبولهما لتأخير موعد العملية ثقة في علمه وخبرته ، كما جعلهما يدفعان التكاليف مقدماً قبل رؤية النتائج ، ويلتزمان بالإرشادات عدة أشهر ، ويتحملان معاناة العملية عدة أسابيع ، ثم لما شُفي الطفل صار اليقين عياناً مُشاهداً فتبرعا لعلاج غيرهما !
ولله المثل الأعلى سبحانه .. عموم المسلمين يعرفون أنّ الله هو الطبيب الشافي ، وأنه الرزاق الكافي ، وأنه القوي المتين ، وأنه الحكيم الخبير ، وأنه الرؤوف الرحيم .. وهذه المعرفة لا تؤتي ثمارها الطيبة في مشاعر المؤمن وأقواله وأفعاله عند نزول البلاء إلا إذا تحولت إلى يقين في القلب وامتلأت بها الروح فصارت معرفةً حقيقية بالله .
كما تحمل الأبوان مشقة وتكاليف السفر إلى الطبيب خارج المدينة ، فإن المؤمن يسافر إلى الله بقلبه عند وقوع المصائب وتكاثر الهموم باذلاً جهده في الدعاء والتضرع ، ومنفقاً ما تيسر من ماله في مرضاة الله . وكما اطمئنا لسماع ثناء المراجعين فإن المؤمن يطمئن بالتفكر في أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى التي أثنى بها سبحانه على نفسه وأثنى بها عليه أنبياؤه عليهم الصلاة والسلام . وكما زاد يقين الأبوين بالصور المشابهة ، يزيد يقين المؤمن بالله إذا شاهد الصور المشابهة لحالته والأشد منها وقد فرجها الله وجعل عاقبتها خيراً .. حكاها الله في القرآن ، وأخبرنا بها المصطفى ﷺ في عدة أحاديث ، ونقلتها لنا كتب السيرة والأخبار، بل ونراها عياناً فيمن حولنا !. وكما قبل الأبوان تأجيل العملية ثقة بالطبيب ورغبة في أفضل النتائج ، يكون تسليم المؤمن لعلم الله وخبرته أكمل ، فيدعوه ويسأله الفرج ويفوض له كيفية الإجابة وتوقيتها. وكما بادر الأبوان لدفع التكاليف مقدماً والتزام الإرشادات ، فإنّ المؤمن حال البلاء والهم يلتزم أمر الله وشرعه وأحكامه بطيب نفس . وكما أقدما على العملية مع المشقة والألم رغبة في النتائج التي تستمر مدى الحياة ، فإن المؤمن يوقن بأن ألم البلاء وكدر الحياة عملية إصلاح وتزكية نتيجتها سعادة الأبد في جنة الخلد فيصبر ويحتسب . وكما غضبت أخت الطفل من فعل الطبيب لنقص علمها بالغاية من العملية وحاجة أخيها لها ، فإن المؤمن يتفطن إلى أنّ كرهه للقدر المؤلم ناتج عن نقص علمه بالحكمة الربانية من وقوعه ، ولو علم الحكمة لصنع كما صنعت الأم !
كما أحب الأبوان ذلك الطبيب وشكراه وتبرعا لعلاج أطفال آخرين تحت رعايته لمّا عرفوا إتقانه ونصحه (مع أنه تسبب لطفلهما بألم ومعاناة العملية) ، فإن المؤمن يزداد محبة لربه كلما زادت معرفته بأسمائه وصفاته معرفةً حقيقية .
أسماء الله جل وعلا قسمان : أسماء جلال وعظمة، وأسماء جمال ورحمة ، فتعظيمه وخشيته والثقة بنصره وحفظه تزداد كلما تأمل المؤمن أسماء الجلال مثل : العظيم ، الكبير ، الجبار ، المهيمن ، القوي ، العزيز ، المحيط ، الحكيم ، العليم ، الخبير ... ورجاؤه والأنس بذكره سبحانه تزداد بتأمل أسماء الجمال مثل : اللطيف ، الجميل ، الرحيم ، الرؤوف ، البرّ ، الكريم ، الرزاق ... ومن تأمل كمال جلاله وجماله سبحانه أحبه واطمأن بالقرب منه ومناجاته وذكره ، فإن النفوس مجبولة على محبة المخلوق القوي الجميل وتزداد محبته إن كان كريماً عطوفاً ، فما بالك بمحبة الخالق سبحانه الذي لا يمكن للعقول أن تدرك كمال جلاله وقدرته وعظمته ، ولا يقدر أحد أن يتصور سعة رحمته وفضله وكرمه !
اجلس في بيت الله ساعة ، واستعن بالصلاة والذكر
اجلس في المسجد بين صلاتي المغرب والعشاء بنية الاعتكاف (على قول بعض أهل العلم أن أقل الاعتكاف ساعة) ونية الاستشفاء من الهم والكرب بالقرآن والدعاء. اقض الوقت في التنفل بالصلاة ركعتين ركعتين على قدر نشاطك مع إخلاص الدعاء في السجود ، وقراءة القرآن ، والذكر والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . إذا مللت أو تعبت غير نوع العبادة وغير مكانك في المسجد. ستجد الأمر صعباً في البداية وقد لا تتقبل الفكرة ، لكن الذين جربوها والتزموا بها عدة أيام متتالية وجدوا الثمرة ، بل جعلها بعضهم عادة يومية طول حياته !.
جلس بعض الصحابة في المسجد بعد صلاة المغرب ينوون البقاء إلى صلاة العشاء ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أحسنتم . رواه مسلم ، وكان بعض الصحابة والتابعين يداومون على الصلاة والتنفل بين المغرب والعشاء ويرون أن ذلك هو المراد بقوله تعالى ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ .
المرأة تطبق نفس البرنامج في مصلاها في البيت في مكان بعيد عن الإزعاج والضوضاء .
كان ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما في سفر، فجاءه خبر وفاة أخيه ( قُثَم)، فاستَرجَعَ، ثمَّ تنَحَّى عنِ الطَّريقِ، فأناخ راحلته فصلَّى ركعتينِ أطالَ فيهما الجلوسَ، ثمَّ قام يَمشي إلى راحِلَتِه وهو يقولُ: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" .
سكينة القلب عند الهموم والكروب موهبة ربانية
يضطرب القلب ويتشتت الذهن بسبب الهم والحزن الشديد ، وهنا يأتي دور السكينة التي ينزلها الله في قلب المؤمن ، وحاجته لها أشد من حاجته للمعلومات التفصيلية المتعلقة بموضوعه .
كان بعض الأئمة رحمهم الله يقرأون آيات السكينة أو يطلبون ممن معهم أن يقرأها إذا شعروا بالهم والاضطراب ، وهي ست آيات كريمات ، موجودة على اليوتيوب بصوت عدد من القراء ، استمع لها بصوت قارئك المفضل عندما تشعر بالتوتر وتزعجك الخواطر السلبية . انظر كتاب مدارج السالكين لابن القيم (منزلة السكينة) لترى كيف كان شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ينتفعان بقراءتها .
أكثر من سؤال الله نزول السكينة عليك ، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم له ولأصحابه بنزولها حين اشتد الخوف والقلق وبلغت القلوب الحناجر في غزوة الأحزاب، فقال متمثلا بأبيات عبدالله بن رواحة رضي الله عنه : فأنزلن سكينة علينا .
لا تعجز
التوقف علامة العجز
ترك العمل النافع علامة العجز والاستسلام .. أنت تقطع المسافة نحو الطمأنينة ما دمت تعمل مهما كان العمل يسيراً . وإذا كنت توقفت عن أعمالك النافعة فليس ضرورياً أن ترجع لها دفعة واحدة ، ولا أن تبدأ بالأصعب عليك ، ارجع بالتدرج مبتدئاً باليسير الذي تعرف أنه سيترك أثراً طيباً على مشاعرك إذا بادرت به وأنجزته .
﴿هُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولࣰا فَٱمۡشُوا۟ فِی مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَیۡهِ ٱلنُّشُورُ﴾ [الملك ١٥] امتنّ الله علينا بأن سخر الأرض فجعلها مُذللة مُيسرة للتنقل والعمل ، وأرشدنا سبحانه إلى المشي بهون وتؤدة في أنحائها وأرجائها للحصول على خيراتها ومنافعها وأرزاقها ، ولا حاجة للسعي المضني والعمل الشاق . اسأل ربك البركة والهداية للعمل اليسير النافع وبادر.. لا تعجز.
كذلك الحال في الأعمال الصالحة والدعاء والضراعة : التوقف علامة العجز والاستسلام ، والعودة للعمل الصالح واستئناف الدعاء لا يعني الإكثار أو اختيار الأصعب !.
سُئِلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الأعْمَالِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قَالَ: أدْوَمُهَا وإنْ قَلَّ ، وقَالَ: اكْلَفُوا مِنَ الأعْمَالِ ما تُطِيقُونَ. رواه البخاري ، أي كلفوا أنفسكم بالعمل الذي تطيقون ويغلب على ظنكم الاستمرار عليه ، فأحسن الأعمال وأحبها إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن كان قليلاً .
استبطاء الإجابة وترك الدعاء من العجلة ، وحرمان للنفس من بركة الدعاء .. أنت على خير ما دمت تدعو ولو تأخرت الإجابة .
قال رسول الله ﷺ : يُستَجابُ لأحدِكم ما لم يعجَلْ . قيل وكيف يعجَلُ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : يقولُ قد دعوتُ اللهَ فلم يستجِبِ اللهُ لي . رواه البخاري ومسلم . وفي رواية لمسلم : فَيَسْتَحْسِرُ عندَ ذلك، ويَدَعُ الدُّعاء.
يقول عليه الصلاة والسلام : "ما مِن مسلِمٍ يدعو بدعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحِمٍ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ بِها إحدى ثلاثٍ؛ إمَّا أن يعجَّلَ لهُ دعوتُه وإمَّا أن يدَّخرَها لهُ في الآخرةِ وإمَّا أن يكُفَّ عنهُ منَ السُّوءِ بمثلِها . قالوا إذًا نُكثِرُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قال اللَّهُ أَكثَرُ! ." رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني . فالذي يدعو الله دعاءً صالحاً بطلب خير أو دفع مكروه (وليس في دعائه إثم كمن يدعو الله بالربح وتجارته محرمة ، ولا قطيعة رحم كمن يدعو على أقاربه بدون حق)، تكفل الله له بإحدى ثلاث : أن يعجل الله له الإجابة فيحصل له ما دعا به من الخير ودفع الشر ، أو يدّخر له دعوته في الآخرة فيعطيه إياها على هيئة أجر ومغفرة ورفعة درجات يحتاجها في الآخرة وينتفع به أكثر من لو استجيبت له في الدنيا ، أو كان سيقع عليه شر وبلاء (غير الأمر الذي يدعو الله من أجله) فيدفعه الله عنه بمقدار دعائه كمن يدعو الله أن يشفيه من المرض فيدفع الله عن أهله حادث سيارة كان سيقع . قالوا : إذا نكثر من الدعاء ونستمر عليه ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : نعم ، فالله يعطيكم ويمنحكم أكثر من واسع فضله .
تمني الموت من علامات العجز واليأس ؛ يقول عليه الصلاة والسلام " لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي ". أي: فإنْ ضاقتْ به الأحوالُ واشتدَّتِ النَّوائبُ حتَّى اضطرَّتْه أن يتمنَّى شيئًا تنفيسًا عن نفْسه وابتغاءً لفَرَجِ الله، فليقلْ: اللهمَّ أَحيِني ما كانتِ الحياةُ خيرًا لي، وتَوَفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي، فيَترُكُ الخِيَرَةَ لله سبحانه وتعالى. (موقع الدرر السنية)
شد عضدك بأخيك .. بث شكواك (فضفض) لشخص حكيم ناصح ، وجالس الإيجابيين والمحبين
كلف الله موسى عليه السلام بدعوة الطاغية فرعون ، فاغتم موسى لعظم المهمة وخاف أن يقتله فرعون أو يكذبه ، واشتكى من ثقل لسانه وعدم فصاحته ، فامتن الله سبحانه عليه : ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِیكَ﴾ [القصص ٣٥] ، أي سنقويك ونؤازرك بأخيك هارون ليعينك على إبلاغ الرسالة ويحمل معك همها ويزيل عنك وحشة الوحدة .
لما نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة رجع صلَّى الله عليه وسلم يرتجف فزعاً حتى دخل على خديجةَ، فقال: زَمِّلوني زَمِّلوني (أي: غَطُّوني بالثِّيابِ ولُفُّوني بها) ، وطلب ذلك ليَسكُنَ ما حصَلَ له مِن الرِّعدةِ مِن شِدَّةِ هولِ الأمرِ وثِقْلِه، وأخبَرَها الخبَرَ قال: لقد خَشِيتُ على نَفسي !، قالت خديجةُ: كلَّا (أي: لا خوفَ عليك) أبشِرْ، فواللهِ لا يُخزِيك اللهُ أبدًا؛ واللهِ إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَديثَ، وتَحمِلُ الكَلَّ (وهو الضَّعيفُ المُنقَطِعُ، واليتيمُ) وتَكسِبُ المَعدومَ (أي: تُعطي النَّاسَ ما لا يَجِدونَه)، وتَقْرِي الضَّيفَ (أي: تُهَيِّئ له طعامَه ونُزُلَه)، وتُعينُ على نوائِبِ الحَقِّ (أي: حوادِثِه) . ثم ذهبت به إلى وَرَقةَ بنَ نَوفلٍ تستشيره وتعرض عليه الأمر.. فالخائف والمهموم لا يقدح فيه ولا يقلل قدره أن يستعين بمن يُسكن روعه ويسليه. (موقع الدرر السنية ، بتصرف) .
قال تلميذ الإمام الشافعي يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أحداً لقي من السقم ما لقي الشافعي؛ فدخلت عليه، فقال لي: أبا موسى، اقرأ علي ما بعد العشرين والمائة من " آل عمران " ، وأخف القراءة، ولا تثقل. فقرأت عليه، فلما أردت القيام قال: لا تغفل عني فإني مكروب.
فهذا الإمام الجهبذ يشتد به الكرب من المرض فيحتاج لتأنيس تلميذه له ، ويخبره بكل وضوح " لا تغفل عني فإني مكروب " ويطلب منه قراءة الآيات ما بعد الآية 120 من سورة آل عمران التي تحكي غزوة أحد ومصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيها ليسلي نفسه بذلك .
حفز نفسك ..
قل لها : " سَیَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرࣲ یُسۡرࣰا " .. هذا وعد من الله والله لا يخلف الميعاد ، ردد هذه الآية الكريمة كلما ضاق بك الهم وأعياك الحال ، وكأنك تربت بها على كتفك ، وتمسك بها يدك لتواصل المشوار .
قل لها : " لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ " أي لكل أمر قضاه الله أجلٌ محدد في كتاب محفوظ ، لا يتقدم ولا يتأخر .. حدث نفسك بها كلما استبطأت الفرج ، فساعة الفرج التي اختارها الحكيم الخبير سبحانه ، ليس من مصلحتك أن تبكر قبل موعدها .
أغلق باب الوساوس
البلاء والحزن يؤثر على سكون النفس وطمأنينتها فتضعف مقاومتها للوساوس ، وهنا يتسلط الشيطان على المؤمن ، فتارة يقنّطه من الفرج ، وتارة يشككه في عدل ربه ورحمته ، وتارة يبغضه للقضاء والقدر ، وتارة يمنيه الموت .. وهكذا
﴿وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَاۤ أَیُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥۤ أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بِنُصۡبࣲ وَعَذَابٍ ﴾ ص ٤١
لما اشتد الكرب بأيوب عليه السلام من شدة النصب والعذاب ، وهما المرض البدني والألم النفسي ، وقيل المرض وذهاب المال وقيل غير ذلك ، اشتكى عليه السلام من أذى الشيطان ومسه سائلا ربه جل وعلا أن يفرج عنه ، واختلف المفسرون رحمهم الله في ماهية أذى الشيطان ومسه ، قال الطاهر بن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير " أيْ: مَسَّنِي بِوَسْواسٍ سَبَبُهُ نُصْبٌ وعَذابٌ، فَجَعَلَ الشَّيْطانُ يُوَسْوِسُ إلى أيُّوبَ بِتَعْظِيمِ النُّصْبِ والعَذابِ عِنْدَهُ ويُلْقِي (يوسوس) إلَيْهِ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ العَذابِ لِيُلْقِيَ في نَفْسِ أيُّوبَ سُوءَ الظَّنِّ بِاللَّهِ أوِ السُّخْطَ مِن ذَلِكَ.." انتهى.
يقولُ التَّابعيُّ حارِثةُ بنُ مُضرِّبٍ: "أتَينا خَبَّابًا نَعودُه"، أي: نَزورُه في مرَضِه، وهو خَبَّابُ بنُ الأرَتِّ صاحِبُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال خبَّابٌ رَضي اللهُ عنه: "لقد طال سَقَمي"، أي: مرَضي، "ولولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: "لا تتَمنَّوُا الموتَ"، لَتمنيته ، فهذا الصحابي الجليل خبّاب بن الأرت ضعفت قواه النفسية أمام طول المرض وصارت نفسه تحدثه بتمني الموت لكن إيمانه القوي وطاعته للنبي صلى الله عليه وسلم منعاه من تمنيه .
الخواطر السلبية حول القدر لا تضر المؤمن ما دام يرفضها ولا يستسلم لها ، وأفضل طريقة للتعامل معها التشاغل عنها وإهمالها ، فإذا ترددت وتكررت استعان بمن يثق بعلمه وحكمته لتجليتها
اشتكى بعض الصحابة من الوساوس التي لا يجرؤون على التفوه بها ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ذاك مَحضُ الإيمانِ"، بمعنى أنَّ إنكارَكم وكرهكم لتلك الأفكارِ السَّيِّئةِ التي يَتسبَّبُ فيها الشيطانُ دليلٌ على صِدقِ الإيمانِ، وقال أيضاً: "الحمدُ للهِ الذي رَدَّ كَيدَه إلى الوَسوسةِ"؛ أي أنَّ كيد الشيطان انتَهى بأنْ صار حديثَ نفْسٍ ولم يَزِدْ على ذلك. وقال أيضاً : "فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ" أي يستعيذ بالله من الشيطان ويتوقف عن الاسترسال مع الوساوس . (موقع الدرر السنية بتصرف) .
هل مصيبتي وهمومي اختبار أم رحمة أم عقوبة ؟ هل ابتلاني ربي لأنه يحبني أم عاقبني لأنه يبغضني ؟
تساؤل محيِّر يزيد من المعاناة لأنه محاولة لكشف سر القدر.
والأفضل أن أتساءل : ماذا أفعل ليكون الهم والبلاء سبباً في محبة الله لي ، وكيف أكون بعد المحنة أفضل مني قبلها ؟
المصائب للمؤمن خير ورحمة ، إما تطهير من ذنوبه ، أو عتاب وتنبيه ، أو رفعة في درجاته التي لم يبلغها بعمله . وهي في نفس الوقت اختبار وامتحان ، والنجاح يكون بالصبر والرضا والعمل بما يرضي الله أثناء المصيبة وبعدها . المؤمن الموفق يحسن الظن أنّ ربه أراد به خيراً سواء كان قبل المصيبة محسنا أو مسيئا ، فيجتهد ليكون حاله بعد المصيبة أفضل من حاله قبلها، وذلك بالانشغال بما يريده الله منه، بدلاً من محاسبته للقدر واستسلامه للخواطر المزعجة والأسئلة المحيرة .
مصيبة غزوة أحد .. عقوبة دنيوية وعتاب شديد لأفضل من وطأت أقدامهم الأرض بعد الأنبياء وهم الصحابة رضوان الله عليهم ،" أَوَلَمَّاۤ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَیۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَـٰذَاۖ " أي : قلتم متعجبين: كيف يكون هذا ونحن مسلمون ورسول الله ﷺ فينا وهؤلاء مشركون؟ "قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ " أي : قل لهم -أيها النبي-: هذا الذي أصابكم هو من عند أنفسكم؛ بسبب مخالفتكم أَمْرَ رسولكم وإقبالكم على جمع الغنائم.
لم تكن المصيبة لإهانتهم ولا لأن الله يبغضهم ، حاشا وكلا ، بل ليكونوا بعد المصيبة أفضل منهم قبلها ، وليختار الله من بينهم ثلة اصطفاهم لمنزلة الشهادة ، وليميز الله المنافقين المندسين في الصف فيرجعوا منتكسين هاربين من القتال ، وليظهر علم الله السابق بالمؤمنين الصادقين فيبدو إيمانهم الصادق واقعا يشاهده الجميع ..
وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَیَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَاۤءَۗ ..
وَمَاۤ أَصَـٰبَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِیَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ .. وَلِیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ نَافَقُوا۟ ..
يذكر الله في عددٍ من آيات القرآن الكريم عقوبات تنزل بالناس ثم يختم الآية بقوله ﴿لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ﴾ أي كي يتوبوا إلى الله -سبحانه- ويرجعوا عن المعاصي، فتصلح أحوالهم، وتستقيم أمورهم.
عن عبدالله بن مغفل رضي الله عنه أنَّ رجلًا لقي امرأةً كانت بغيًّا في الجاهليَّةِ فجعَل يُلاعِبُها حتَّى بسَط يدَه إليها فقالت: مَهْ فإنَّ اللهَ قد أذهَب بالشِّركِ وجاء بالإسلامِ ، فترَكها وولَّى فجعَل يلتفتُ خلْفَه وينظُرُ إليها حتَّى أصاب وجهُه حائطًا ثمَّ أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والدَّمُ يسيلُ على وجهِه فأخبَره بالأمرِ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أنتَ عبدٌ أراد اللهُ بك خيرًا ) ثمَّ قال: ( إنَّ اللهَ جلَّ وعلا إذا أراد بعبدٍ خيرًا عجَّل عقوبةَ ذنبِه وإذا أراد بعبدٍ شرًّا أمسَك عليه ذنبَه حتَّى يوافيَ يومَ القيامةِ كأنَّه عائرٌ) . رواه أحمد وابن حبان ، وقال محققوهما : صحيح لغيره .
فهذا الرجل ضعف أمام هواه وحاول مداعبة المرأة التي تابت من بغاء الجاهلية ، وصار يحدق النظر إليها وهو يمشي فارتطم وجهه بحائط جرحه جرحا بالغا، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الله أراد به خيرا بأن عجل عقوبة ذنبه كي يطهره منه ، أما فاسد القلب، المعرض عن الله، فإن الله يمكر به بتأخير العقوبة حتى يوافيه بذنبه وافيا يوم القيامة كأنه جبل "عائر أو عير" وهو جبل معروف في المدينة.
﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ [البقرة ١٥٥] أقسم الله تعالى أنه سيختبر المؤمنين ببعض المصائب والهموم، ثم أمر نبيه الكريم أن يبشر الصابرين .
ويقول عليه الصلاة والسلام "إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ ، وإنَّ اللهَ تعالَى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم ، فمن رضِي فله الرِّضا ومن سخِط فله السُّخطُ" رواه الترمذي ، فكلما كثر البلاء واشتد زاد الأجر ، ومن علامة حب الله لعبده المؤمن أن يبتليه ، وعبده يقابل البلاء بالرضا فيرضى الله عنه ويرضيه.
ويَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ العبْدَ إذا سَبَقت له مِنَ اللهِ مَنزِلةٌ (أي: كتَبَ اللهُ له درَجةً عالية في الجنَّةِ) لَم يَبلُغْها بعمَلِه (أي: لم يعمل الأعمال الصالحة التي تؤهله لتلك المنزلة) ابتَلاه اللهُ في جسَدِه، أو في مالِه، أو في وَلَدِه، ثمَّ صَبَّرَه (أي: رَزَقه الصَّبرَ) على ذلك حتَّى يُبلِّغَه المنزِلةَ الَّتي سبَقَتْ له مِن اللهِ تعالى . رواه أبو داود وصححه الألباني . (موقع الدرر السنية، بتصرف)
خواطر تتكرر بإلحاح : لماذا أنا ؟! يبتليني بهذه المصيبة ويترك من هو أسوأ مني ؟ أنا طيّب وأحب الخير للناس ، فلماذا أعاني ؟ لماذا أدعو و أدعو لفترة طويلة ولا يستجيب لي ؟ مللت الحياة ، لن تتحسن الأمور !
هذه الأسئلة والمشاعر المؤلمة يعاني منها بعض المؤمنين ، فمنهم من يصرح بها ومنهم من يكتمها خوفا من الاعتراض على القدر، وهي تزيد آلام المصاب المهموم وتشتت ذهنه وتبطئ بتعافيه، والمؤمنون في التعامل معها أقسام :
القسم الأول : يتجاهلونها ويشتتونها قدر استطاعتهم ، فينشغلون عن هذه الأسئلة والخواطر بأفكار أخرى إيجابية وأعمال يدوية أو منزلية أو علمية أو اجتماعية ( تذكر.. الإنسان لا يستطيع التوقف عن التفكير ، لكنه يستطيع تغيير التفكير من موضوع مزعج إلى موضوع غير مزعج ، فإذا لم تشغل عقلك بالأفكار المريحة شغلك بالأفكار السلبية وقت المصائب والهموم ).
كلما وردت عليك هذه الخواطر شتتها فورا بعمل بدني مهما يكن سهلا وخفيفا ، مثل : إعداد كوب شاي والاتصال بشخص ترتاح له، الرسم والتلوين، ترتيب الغرفة أو المكتب ، الوضوء وصلاة ركعتين ، كتابة تفسير آية أو شرح حديث شريف ، مشاهدة مقطع مرئي خفيف على النفس ، تمارين بدنية لبضع دقائق، المشي السريع لعدة دقائق، قول لا حول ولا قوة إلا بالله عدة مرات مع التفكير المركز في معناها ، الاستحمام بماء منعش، سقي حوض الزهور وتقليم الأغصان... أو أي عمل آخر تحبه.
التشتيت الفوري للخواطر السلبية بالانشغال بأعمال بدنية إيجابية فعال ومفيد، ومع الوقت ستقل تلك الخواطر تدريجيا حتى تزول تماما بإذن الله . إذا لم تشتتها فورا ستقوى وتتغلغل إلى داخلك وستحتاج للمزيد من الوقت والجهد للتخلص منها .
القسم الثاني : يسترسلون مع تلك الأفكار والخواطر لكنهم يحاولون مدافعتها ، ويبحثون عن الأجوبة لدى الفقهاء والمستشارين . هؤلاء يستغرقون وقتا أطول ويعانون أكثر من القسم الأول ، لكنهم سيصلون فيما بعد لحالة الطمأنينة بإذن الله ..
القسم الثالث : يستسلم لتلك الخواطر ويقع في "أخطاء التفكير" فتزداد مشاعر الحسرة والألم ، ويظن أن حسرته وألمه بسبب المصائب فقط ، ولم ينتبه أن طريقته في التفكير أكثر إيلاما من المصيبة ، والألم المتزايد يزيده استسلاما للأفكار السلبية والخواطر الشيطانية، وهكذا يدور في حلقة مفرغة ( ألم نفسي يسبب أفكار سلبية خاطئة ، الأفكار الخاطئة تزيد الألم النفسي ، زيادة الألم النفسي تزيد الأفكار الخاطئة ..) .
من أخطاء التفكير :
الشخصنة : يعتبر أن المصيبة قدّرها الله على شخصه هو دون غيره ، فيتساءل معترضا : لماذا أنا ؟ ولم ينتبه للكثير من المؤمنين الذين أصيبوا بمثل مصيبته أو أشد فتجاوزوا ألم المصيبة ولم يعانوا مثل معاناته لأنهم لم يفكروا بنفس طريقته .
التركيز على السلبيات والمواجع : فينسى النعم السابقة والحالية ، وينسى أن المصيبة كان بالإمكان أن تكون أشد، وينسى الجوانب المشرقة في الحدث .
القفز للنتائج السلبية : الله لا يحبني ! ربي تخلى عني !
التعميم : فيعمم المصيبة (التي حدثت في جزء من حياته) على نفسه والحياة والناس: حياتي انتهت ! أنا فاشل ! الناس ما فيها خير !
الخطوة الأولى لخروج صاحب المصيبة من هذه الورطة هي الوعي والبصيرة بأن طريقته في التفكير خاطئة ومضرة بصحته ومشاعره وإيمانه، ولكي تخف معاناته يجب تصحيح الأفكار أولاً .
( تذكروا : المشاعر والسلوك سببها الأفكار )
من وسائل تصحيح الأفكار مناقشتها مع النفس :
ما هو الدليل على صحتها ؟
ما هي الاحتمالات الأخرى ؟
هل تفكيري بهذه الطريقة يفيدني أم يضرني ؟
مثلا : خاطرة " الله يكرهني ! لماذا أنا دون غيري ؟ ربي تخلى عني لأنني أدعوه وأدعوه ولا يستجيب لي ؟ " ..
ما الدليل على أن الله يكرهني ؟! أشد الناس بلاء الأنبياء وهم أكثر الناس قربا ومحبة من الله ! .
ما الدليل على أنه ابتلاني أنا فقط دون غيري ؟ أنا لا أعرف أسرار الناس وتفاصيل حياتهم ومعاناتهم ! .
ما الدليل على أن ربي تخلى عني ؟ التوقيت الذي كتب الله فيه فرج مصيبتي يحدده هو بحكمته ، وإجابة الدعاء لا يشترط أن تكون بالنص الذي دعوت به ، فالله أرحم بعبده المؤمن من نفسه وأعلم بما يصلح حاله !، مرت عليّ ظروف سابقة ثم فرّجها الله ..
هل هناك احتمالات أخرى غير التي أفكر فيها ؟
لعل الله ابتلاني ليطهرني من ذنوبي .. ليرفع درجتي عنده ..ليشغلني بمصيبتي عن أمر ضار كنت أنوي الإقدام عليه .. ليجعلني أرجع إليه وأترك معصية ما زلت مقيما عليها أو ظلما لأحد ما زلت أمارسه .. ليجعلني أدعوه وأتضرع إليه فأنا قليل الدعاء والتضرع وكأني في غنى عن فضل الله ، وفي الحديث : " الدعاء هو العبادة" والحديث الآخر: "مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، غَضِبَ عَلَيْهِ"
أيهما أنفع لي : الطريقة التي كنت أفكر بها أم الاحتمالات الأخرى ؟ ماذا استفدت من عتابي للقدر وتشاؤمي من المستقبل وكرهي للحياة ؟ زادت معاناتي واستسلمت لوساوس الشيطان وتأخرت عافيتي وحرمت نفسي وأحبابي منافع عملي ومشاركتي لهم بنشاط وحيوية !
لماذا لا أبدأ من جديد مستعيذا بالله العلي العظيم من شر الشيطان الرجيم ووساوسه ، محسنا الظن بالله ، مصححا لعلاقتي مع الله وتعاملي مع الناس ، مستمعا وتاليا للقرآن ، حريصا على مجالس الذكر والخير، مستعيدا حيويتي ونشاطي في وظيفتي وعملي ، ممارسا للرياضة والترفيه المناسب لسني ووضعي ، مستمتعا بعائلتي وأصدقائي الطيبين ..
لماذا لا يكشف لنا ربنا سر القدر لنعرف حكمته فيما يقع علينا من المصائب والهموم ؟
امتحننا الله بالإيمان بالغيب "الذين يؤمنون بالغيب" ورتب عليه عظيم الأجر ، والقضاء والقدر من الغيب الذي اختبرنا الله بخفاء سره لكن الله بفضله ورحمته أطلعنا على دلائل حكمته في القدر في مواضع كثيرة من القرآن والسنة لتطمئن نفوسنا لقضائه دون أن نعرف تفاصيل الحكمة في كل حادثة ، ومن تلك المواضع قصة موسى مع الخضر عليهما السلام ..
فالخضر عليه السلام يتصرف بالوحي من الله ، وقال لموسى عليه السلام " لَن تَسۡتَطِیعَ مَعِیَ صَبۡرࣰا" أي لن تتحمل أفعالي التي يأمرني الله بها ويطلعني على الحكمة منها دون أن يطلعك على تلك الحكمة ، ثم اشترط على موسى "فَلَا تَسۡـَٔلۡنِی عَن شَیۡءٍ حَتَّىٰۤ أُحۡدِثَ لَكَ مِنۡهُ ذِكۡرࣰا" أي لا تعترض على أفعالي ولا تسألنِ عن الحكمة منها حتى أكون أنا الذي أخبرك بها ابتداءً دون أن تسألني .
وقعت ثلاث مصائب على يد الخضر عليه السلام فخرّب السفينة وقتل الغلام وبنى الجدار في البلدة التي منعتهم حق الضيف ، ولم يتحمل موسى عليه السلام السكوت ، ونسي العهد الذي بينه وبين الخضر فبادر لإنكارها لأن مثلها منكر، ثم بيّن الخضر له الحكمة التي أطلعه الله عليها ، فتخريبه لسفينة المساكين من مصلحتهم كي لا يغتصبها الملك الظالم الذي كان يسطو على السفن الجيدة، وقتله للغلام كان لمصلحة أبويه الصالحين لأنه إذا كبر فسيؤذيهما بكفره وطغيانه وقد يكون سببا في فتنتهما عن الإيمان لأنهما يحبانه ، وقد أبدلهما الله بخير منه فولدت أمه بعده مولودا صالحا ، قيل : ولدت جارية تزوجها نبي وولدت نبيا هدى الله به أمة من الأمم، وإصلاحه للجدار ليس إكراماً لأهل القرية بل رفقا بالغلامين اليتيمين صاحبي الجدار وهو كرامة لجدهما الصالح التقي .
المصيبة التي تقع عليك لمصلحتك ، والتي تقع على طفلك لمصلحته ولمصلحتك ، والخير الذي تراه يحصل للظلمة والفجرة ليس إكراماً لهم بل إكرام لآخرين لا تراهم ، كما أنه استدراج وفتنة للظلمة .
أفضل طريقة لفهم القدر هي الاستسلام لله والتسليم لحكمته وتذكر قول الخضر "فَلَا تَسۡـَٔلۡنِی عَن شَیۡءٍ حَتَّىٰۤ أُحۡدِثَ لَكَ مِنۡهُ ذِكۡرࣰا"، فإذا بانت لك حكمة الله في القدر فاحمد الله وتصبّر، وإذا لم تظهر لك ففوضها له سبحانه وتعبده بالإيمان بالغيب والتصبر على ذلك. وأصعب طريقة لفهم القدر هي طلب معرفة الحكمة التفصيلية في كل حادثة والتساؤل المصحوب بعدم الرضا، وتذكر قول الخضر عليه السلام " لَن تَسۡتَطِیعَ مَعِیَ صَبۡرࣰا".
الذي يجزع من المصيبة ويتساءل _معترضا_ عن الحكمة منها ، لو عرف الحكمة لاعترض عليها أيضا، وطالب بتغيير القدر لتتحقق الحكمة بالطريقة التي يريدها هو! ولو سارت الأقدار حسب رغبات الناس لبغوا في الأرض وفسدت الحياة ولأهلك بعضهم بعضاً. أما الذي يُسلِّم لقضاء ربه ويستسلم لحكمته فإنه يختصر الطريق والعناء ويفوز بمكافأة إيمانه ورضاه في الدنيا والآخرة . ﴿إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعࣰا . وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَیۡرُ مَنُوعًا . إِلَّا ٱلۡمُصَلِّینَ ) .
لا بأس أن يتلمس المؤمن الحكمة من البلاء الذي يصيبه كي يزداد طمأنينة ، وهذا يكون بالتفكر في سعة رحمة الله وإحسان الظن به وكثرة الاسترجاع والحمد والاستغفار ، ويكون بتوقع الخير مستقبلا وانتظار الفرج ، ويكون بسؤال الله السكينة واستشارة أهل العلم والحكمة ، ويكون بتصحيح الأخطاء التي ارتكبها في حق الخلق والخالق سبحانه .. وحري بمن سلك هذا السبيل أن يشرح الله صدره للحكمة من المصيبة ويرى البشرى والفرج والعوض من الرب الرحيم الكريم سبحانه .
لا ملجأ من الله إلا إليه .. إذا وسوس لك الشيطان لتبتعد عن ربك معترضا على قضائه وقدره ، وكيف يبتليك مع طيبتك ويترك الأشرار والفجار؟، فرُد وسوسته بأن المهرب من الله لا يكون إلا إليه ! ﴿وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِینَ خُلِّفُوا۟ حَتَّىٰۤ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَیۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوۤا۟ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّاۤ إِلَیۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡ لِیَتُوبُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ﴾ التوبة ١١٨، "ولقد تاب الله على الثلاثة، وهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، الذين خُلِّفُوا عن التوبة وأُخِّرَ قبول توبتهم بعد تخلُّفهم عن الخروج مع رسول الله ﷺ إلى [غزوة] تبوك، فأمر النبي ﷺ الناس بهجرانهم، وأصابهم حزن وغم على ذلك حتى ضاقت عليهم الأرض على سعتها، وضاقت صدورهم بما حصل لهم من الوحشة، وعلموا أنْ لا ملجأ لهم يلجؤون إليه إلا إلى الله وحده، فرحمهم بتوفيقهم للتوبة، ثم قبل توبتهم، إنه هو التواب على عباده، الرحيم بهم." (المختصر في التفسير) .
لم يشغلوا أنفسهم بالاعتراض والتساؤل عن سبب ابتلائهم بالهجر ، وعدم معاقبة المنافقين الذين تخلفوا عن الغزوة وكذبوا على الرسول صلى الله عليه وسلم باختلاق الأعذار ؟! بل استسلموا لحكم الله وقضائه ولجأوا إلى الله بالدعاء والاستغفار حتى جاء الفرج وتاب الله عليهم ثم شرفهم الله ومدحهم وأمر المؤمنين أن يكونوا مثلهم في الصدق ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ﴾ [التوبة ١١٩] ، أما المنافقون فكان ترك عقابهم في الدنيا استدراجاً لهم ومكرا بهم ليزدادوا إثما وليجتمع عليهم شدة العذاب يوم القيامة .
***
أخيراً
الطمأنينة رحلة حياة وليست محطة وصول ، لا تؤجلها
تلمس الطمأنينة خلال مصيبتك وهمومك ، ولا تقل : إذا فرغت من همومي سأعيش مطمئناً ! فحلاوة الدنيا معجونة بالكدر، والإنسان مخلوق في كَبَد ، والطمأنينة بلسم الكدر وترياق الكَبَد .
" الحياة الطيبة ليست كما يفهمه بعض الناس: السلامة من الآفات من فقر ومرض وكدر.. لا، بل الحياة الطيبة أن يكون الإنسان طيب القلب منشرح الصدر مطمئنا بقضاء الله وقدره ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، هذه هي الـحياة الطيبة وهي راحة القلب." (حساب : العلامة ابن عثيمين على تويتر) .
﴿مَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَلَنُحۡیِیَنَّهُۥ حَیَوٰةࣰ طَیِّبَةࣰۖ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [النحل ٩٧]
" من عمل عملًا صالحًا موافقًا للشرع ذكرًا كان أو أنثى، وهو مؤمن بالله، فلنحيينه في الدنيا حياة طيبة بالرضا بقضاء الله وبالقناعة والتوفيق للطاعات، ولنجزينهم ثوابهم في الآخرة بأحسن ما كانوا يعملون في الدنيا من الأعمال الصالحة." (المختصر في التفسير) .
نهاية رحلة الطمأنينة في الحياة هي أجمل مراحلها ..
" یَـٰۤأَیَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَىِٕنَّةُ (٢٧) ٱرۡجِعِیۤ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِیَةࣰ مَّرۡضِیَّةࣰ (٢٨) فَٱدۡخُلِی فِی عِبَـٰدِی (٢٩) وَٱدۡخُلِی جَنَّتِی (٣٠)" الفجر.
" وَهَذَا يُقَالُ لَهَا عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْضًا، كَمَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُبَشِّرُونَ الْمُؤْمِنَ عِنْدَ احْتِضَارِهِ وَعِنْدَ قِيَامِهِ مِنْ قَبْرِهِ" (تفسير ابن كثير).
هذا نصيب كل مؤمن سلك سبيل الطمأنينة وتلمسها في الإيمان بالله واتباع شرعه والرضا بقضائه. سيعيش مطمئنا في السراء بالشكر، ومطمئنا في الضراء بالصبر والرضا ، حتى تأتيه هذه اللحظة في نهاية المطاف ليسمع أجمل نداء منذ ولدته أمه ، وأي نهاية أجمل من هذه النهاية ؟!
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
الأربعاء 25 شوال 1441 هجريا
راجعتها مع التعديل والإضافة الأحد 28 ربيع الآخر 1442
ثم في يوم الجمعة 16 ربيع الأول 1443
المراجع :
تفسير الآيات : موقع الباحث القرآني، جزى الله القائمين عليه خيراً
شرح الأحاديث : موقع الدرر السنية، جزى الله القائمين عليه خيراً
مقدمة في العلاج السلوكي والمعرفي (على اليوتيوب) د. خالد بن حمد الجابر جزاه الله خيراً
علم نفس مراحل الحزن والتكيف معها : مجموعة مقالات باللغتين العربية والإنجليزية عبر المحرك جوجل
مواقع إسلامية : الإسلام سؤال وجواب – إسلام ويب – الألوكة – الراشدون .
جزاك الله خيراً يادكتور احمد على هذا الطرح الشيق والعميق
ردحذف