كيف يولد كل مولود على فطرة الإسلام ؟

 بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

لو وُلد طفل في قبيلة نائية لا يعرفون شيئاً عن الأديان والحياة المعاصرة ، ولما كبر وبلغ الرشد ارتحل حتى وجد مدينة عصرية ، ووجد أهلها على ديانات وعقائد مختلفة : إسلامية ، يهودية ، نصرانية ، عباد الأصنام ، عباد الكون والنجوم ، ملحدون لا يؤمنون بدين . وقام كل فريق بشرح عقيدته ومبادئه فإنه سيختار الإسلام ! لماذا ؟

لأن العقيدة والمبادئ الإسلامية تتفق مع عقله الفطري ومشاعره وغرائزه : المخلوقات الباهرة في عظمتها ودقتها لا بد لها من خالق ، والخالق لا بد أن يكون واحداً بالغ الكمال في العلم والقدرة والحكمة لا شريك ولا شبيه له ، ولا يمكن أن يكون المخلوق رباً خالقاً . المخلوق يحتاج إلى خالقه وقت الأزمات فيلتجئ إليه مباشرة دون واسطة . لا بد للخلق من تعليماتٍ يعلمهم إياها خالقهم وهي الوحي ، ولا بد من رسول يبلغ هذه التعليمات للناس ويمثل القدوة العملية في تنفيذها ، والبراهين الواضحة تدل على صدق القرآن الكريم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم . الغرائز يتم إشباعها بشكل متوازن دون إفراط أو تفريط . الناس سواسية في نظر الخالق فتعليماته للجميع وإنما يتفاوتون عنده بحسب اتباعهم للتعليمات ، ولا بد من نهاية عادلة لهذا العالم يُحاسب فيها الناس بتكريم المحسنين ومعاقبة المجرمين .

هذه هي الفطرة التي فطر الله عليها كل مولود وهي الاستعداد للإيمان بالله ووحدانيته ، قال الله سبحانه :﴿ فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ لَا تَبۡدِیلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُ ﴾ [الروم ٣٠] ..فطرة الله: أي صنعة الله التي صنع عليها الإنسان وهي قابليته للإيمان بالله تعالى ، لا تبديل لخلق الله: أي لا تعملوا على تغيير تلك القابلية للإيمان والتوحيد (أيسر التفاسير) . وليس المراد بالفطرة أن المولود يولد عارفاً بأسماء الله وصفاته وكيفية عبادته . هذه الفطرة تضعف بالإغراق في الماديات وتتشوه بالأفكار والعقائد المنحرفة في البيئة المحيطة ؛ قال صلى الله عليه وسلم "ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ" رواه البخاري ومسلم .

 اليهودي يربي ولده على أن اليهود هم شعب الله المختار، وأرواحهم مصدرها روح الله، وأرواح غير اليهود مصدرها الروح النجسة ، ولا يدعون غيرهم للإيمان باليهودية لأن الجنة خاصة بهم ! فتنحرف فطرة الولد . والنصراني يربي ولده على أن الآلهة ثلاثة وأن المسيح (عليه السلام) ابن الله وأنه رب ! فتنحرف فطرته . والمجوسي يربي ولده على قداسة النار والشمس لأنهما رمزان للنور الذي هو أصل الخير! فتنحرف فطرته . واللاديني يربي ولده على أن الدنيا كل شيء فإذا لم يحصل على ما يستحقه في الدنيا فلن يحصل عليه في حياة أخرى ، وإذا أفلت المجرم من العقوبة في الدنيا فلن يُعاقب في حياة أخرى ! فتنحرف فطرته . 

لكن الفطرة لا تموت ، ولذلك نرى الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في عالم اليوم .

إذا نشأ المولود على الإيمان والعمل الصالح في بيت مسلم استقامت فطرته وصارت صبغةً على باطنه وظاهره ، قال الله سبحانه ﴿صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةࣰۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَـٰبِدُونَ﴾ [البقرة ١٣٨] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنَّ النَّصَارَى كَانُوا إِذَا وُلِدَ لَهُمْ وَلَدٌ فَأَتَى عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ غَمَسُوهُ فِي مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْمَعْمُودِيَّةِ، فَصَبَغُوهُ بِذَلِكَ ليطهروه بِهِ مَكَانَ الْخِتَانِ، لِأَنَّ الْخِتَانَ تَطْهِيرٌ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالُوا: الْآنَ صَارَ نَصْرَانِيًّا حَقًّا، فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ قَالَ: "صِبْغَةَ اللَّهِ" أَيْ صِبْغَةُ اللَّهِ أَحْسَنُ صِبْغَةٍ وَهِيَ الْإِسْلَامُ، فَسُمِّيَ الدِّينُ صِبْغَةً .. مِنْ حَيْثُ تَظْهَرُ أَعْمَالُهُ وَسِمَتُهُ عَلَى الْمُتَدَيِّنِ، كَمَا يَظْهَرُ أَثَرُ الصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ. (تفسير القرطبي) . وبالله التوفيق .

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طريق الطمأنينة .. كيف يتجاوز المؤمن ألم الهموم والمصائب

تأملات في الحكمة من ابتلاء الأطفال بالأمراض

وأعفيت لحيتي