إني جبان وإني ضعيف !
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : إنِّي جَبانٌ وإنِّي ضَعِيفٌ! فقال صلى الله عليه وسلم : هَلُمَّ إلى جِهادٍ لا شَوْكةَ فِيِه ؛ الحَجُّ . رواه الطبراني عن الحسين بن علي رضي الله عنه وصححه الألباني .
أي لا قتال فيه ، وشوكة القتال شدته وحدته (فيض القدير) .
تألم هذا الصحابي الجليل من ضعفه وخوفه ، وأشفق من فوات فضيلة الجهاد ، فأرشده المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الحج ، فهو جهادٌ لا قتال فيه ، بل وله باب من أبواب الجنة الثمانية كما قال بعض أهل العلم .
الجنة فسيحة الأماكن كثيرة المنازل .. لا يظن ظانٌ أنه لا مكان له فيها بسبب ضعفه وتقصيره وعدم قدرته على فعل ما يفعله مشاهير الصالحين والأئمة !
دخلها رجلٌ بسبب غصن شوك أزاحه عن طريق الناس..
ودخلها رجلٌ لأنه يحب سورة الإخلاص..
ودخلها رجلٌ لأنه ينام وليس في قلبه غش لأحد من المسلمين..
ودخلتها بغيٌ بسبب كلب عطشان سقته الماء..
ودخلتها امرأةٌ فقيرة بسبب تمرةٍ قسمتها نصفين أعطتهما لابنتيها ولم تأكل هي شيئاً..
إذا طهّر المسلم توحيده من دنس الشرك ، وأقام أركان الإسلام ، واجتنب الموبقات، فلينظر فيما يُحسن من الأعمال وما يقدر عليه من الطاعات ، وليجعلها ميدان مسارعته للخيرات ومنافسته للوصول إلى الفردوس الأعلى ، ولو كان عملاً واحداً فقط مما يتقاله الناس ولا يعظمونه ، المهم أن يعمله بإخلاص وألا يحتقره .
لا تنظر إلى صغر العمل الصالح ، وانظر إلى عظيم فضل الله الذي عملته لأجله سبحانه !
واحدة من أربعين .. تدخل بها الجنة
قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أرْبَعُونَ خَصْلَةً أعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ، ما مِن عَامِلٍ يَعْمَلُ بخَصْلَةٍ منها رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إلَّا أدْخَلَهُ اللَّهُ بهَا الجَنَّةَ.
قالَ حَسَّانُ: فَعَدَدْنَا ما دُونَ مَنِيحَةِ العَنْزِ، مِن رَدِّ السَّلَامِ، وتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وإمَاطَةِ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، ونَحْوِهِ فَما اسْتَطَعْنَا أنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً. رواه البخاري
يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن أربعينَ خَصْلةً -أي: صِفةً أو عمَلًا- يتَّصفُ بها المرْءُ مِن خِصالِ الإيمانِ والبِرِّ والإحسانِ، مَن عَمِل بواحدة منها كان ثوابُه المؤكَّدُ أنْ يُدخِلَه اللهُ تَعالى الجنَّةَ ، بشَرطِ الإخلاصِ للهِ، وأنْ يكونَ راجيًا وموقنا بما عندَ اللهِ مِن الأجْرِ والثَّوابِ.
وهذه الخِصالُ أعلاهُنَّ وأعظمُهنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ، أي: العطيَّةُ مِن لَبَنِ أُنثى الماعزِ، أو هي: الشَّاةُ ذَاتُ اللَّبَنِ تُعطَى لِيُنتَفَعَ بِلَبَنِها، ثُمَّ تُرَدُّ إلى أصحابِها.
وقدْ ذكَر أحدُ رُواةِ الحديثِ -وهو حسَّانُ بنُ عَطيَّةَ الشَّاميُّ- أنَّه وغيرَه عَدَّدوا ما ظنُّوه أقلَّ مِن مَنِيحَةِ العَنْزِ؛ كرَدِّ السَّلامِ، وتَشميتِ العاطسِ ، وإزالةِ الأذى عن طُرُقاتِ النَّاسِ، فذكَر أنَّهم لم يَستطيعوا عَدَّ خمْسَ عشْرةَ خَصلةً.
ولعلَّ عدَم ذِكرِ الخصال الأربعين؛ خَشيةَ أنْ يكونَ التَّعيينُ لها مُزهِّدًا في غيرِها مِن أبوابِ البِرِّ، ولأنَّ هذا الأجرَ إنْ كان مُترتِّبًا على مَنيحةِ العَنزِ فما دونَها، فما الظَّنُّ بما هو أعظَمُ منها؟! وحتى لا يُحتقَرَ شَيءٌ مِن وُجوهِ البِرِّ وإنْ قلَّ ، فكل من عمل شيئاً من البر والإحسان، قال : لعله من الأربعين ! (موقع الدرر السنية باختصار وتصرف يسير)
من أي أبواب الجنة تحب أن تدخل ؟
قال صلى الله عليه وسلم : "مَنْ أنفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ، يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَاب الرَّيَّانِ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كلِّهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تكُونَ مِنْهُمْ". رواه البخاري ومسلم .
(زوجين) إنفاق شيئين، من أيّ صنف من أصناف المال : (بعيرين ، درهمين ، ثوبين..)
(فِي سَبِيلِ اللهِ) -عز وجل- أي تصدّق في سبيل الخير مطلقًا طلباً لثواب الله ، أو في الجهاد بشكل خاص .
(يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ) أي هذا العمل الذي عملته خيرٌ من الخيرات، والتنوين فيه للتعظيم؛ أي خير عظيمٌ، أو المراد: هذا الباب الذي تُدعَى إليه لِتَدْخُل منه خيرٌ؛ أي فيه خيرٌ كثيرٌ، وإنما قيل له هذا تعظيمًا له، وتشريفًا.
(فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصّلَاةِ) المراد تطوّعاتها؛ أي من كان الغالب من أعماله الصلاة النافلة، دُعي من باب الصلاة ، وهكذا بقية الأعمال لأن الواجبات لا بدّ منها لجميع المسلمين، وإنما يتفاضلون بكثرة التطوّعات . فكلّ عامل مجتهد في نوع من الأعمال الصالحة يُدعَى من باب ذلك العمل، وقد جاء ذلك صريحًا في رواية أخرى : "لكلّ عامل بابٌ من أبواب الجنّة، يُدعَى منه بذلك العمل"، أخرجه أحمد، وابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وصيغة النداء كما جاء في روايةٍ : "دَعَتْهُ خَزَنةُ الجنّة، من أبواب الجنّة، يا فلان هلمّ، فادخل".
(قَالَ: أَبُو بَكْرِ الصِّدِّيقُ) - رضي اللَّه عنه - (يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى أَحَدٍ يُدّعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةِ) أي ليس على الشخص الذي يُدعَى من أيّ باب من تلك الأبواب ضررٌ يلحقه أبدًا, لأن مآله الفوز بنعيم الجنّة.(فَهَلْ يُدْعَى أحَدٌ، من تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا) لقيامه بكافة الفضائل الموجبة لها (قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "نَعَمْ") أي نعم يُدعى من جميع تلك الأبواب، ومن حصل له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، ودخوله يكون من باب واحد، ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه.
(وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) قال العلماء : الرجاء من الرسول صلى الله عليه وسلم متحقق ، أي : أنت ممن يُدعى من كل الأبواب يا أبا بكر. وفي الحديث إشارة إلى قلة من يحصل له الجمع بين كل الفضائل والنوافل الموجبة لكل الأبواب . (مستفاد باختصار من شرح صحيح مسلم للعلامة الولوي الاثيوبي رحمه الله )
قال الإمام الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله :
" وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ لَا تُفْتَحُ فِي جَمِيعَهَا لِكُلِّ إِنْسَانٍ فِي الْأَغْلَبِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا فُتِحَ فِيهَا كُلِّهَا لِقَلِيلٍ مِنَ النَّاسِ ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مِنْ ذَلِكَ الْقَلِيلِ ... مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ دُعِيَ بِهِ وَنُسِبَ إِلَيْهِ فَقَوْلُهُ : فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، يُرِيدُ مَنْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَنُسِبَ إِلَيْهَا لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ .وَكَذَلِكَ مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الْجِهَادِ وَمِنَ الصِّيَامِ وَمِنَ الصَّدَقَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي سَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ حَظٌّ .
وَمِمَّا يُشَبِّهُ هَذَا مَا جَاوَبَ بِهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ؛ الْعُمَرِيَّ الْعَابِدَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ وَتَرْكِ مُجَالَسَةِ النَّاسِ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَّمَ بَيْنَ عِبَادِهِ الْأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ وَآخَرَ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصِّيَامِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ نَشْرَ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمَهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالٍ وَقَدْ رَضِيتُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ لِي فِيهِ وَقَسَمَ لِي مِنْهُ وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَكِلَانَا عَلَى خَيْرٍ إِنْ شاء الله" (الاستذكار ، نسخة الشاملة)
اللهم إنا نسألك بفضلك الفردوس الأعلى من الجنة ولوالدينا وأهلينا وإخواننا المسلمين
آمين اجمعين يارب العالمين 🌹
ردحذفآمين . وجزاك الله خيرا 🌱
ردحذفآمين يارب العالمين .. اللهم اجعلنا ووالدينا وذرياتنا وأحبابنا والمسلمين
ردحذفمن المقربين ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين )