كيف يتخلص المؤمن من إدمان الذنب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين 


يتورط بعض المؤمنين بذنبٍ يتلذذ به ، وبدلاً من أن يستغفر ويقلع عنه في البداية يستمر ويكرر اللذة المحرمة حتى يتعود عليها فيعجز عن الخلاص ، ويتحول الأمر إلى معاناةٍ إيمانية نفسية ؛ يمارس الذنب فيشعر بالألم والتأنيب ويعزم على عدم العودة ، وقد يحلف الأيمان ويبرم العهود مع الله ، لكن دون جدوى ! يعود لنفس الذنب تحت وطأة الإدمان وقوة العادة ، ومع التكرار وفشل المحاولات تضعف قواه النفسية ويُصاب بالإحباط ، ويتسلط عليه الشيطان بالوساوس ، فيصدر الأحكام السلبية على نفسه : "أنا سيء .. فاشل .. كذاب .. منافق !" ليتبع ذلك تصرفات ضارة بالدين والنفس والأهل ؛ كترك صلاة الجماعة والرفقة الطيبة ، والاعتذار عن المناسبات الأسرية والاجتماعية ، إضافةً إلى تراجع التحصيل الدراسي والأداء الوظيفي !.


يقول عليه الصلاة والسلام : " ما منْ عبدٍ مؤمنٍ إلا ولهُ ذنبٌ، يعتادُه الفينةُ بعدَ الفينةِ، أو ذنبٌ هوَ مقيمٌ عليهِ لا يفارقُهُ، حتى يفارقَ الدنيا، إنَّ المؤمنَ خلقَ مُفَتَّنًا، توابًا، نسيًّا، إذا ذُكِرَ ذَكَرَ" (صحيح الجامع)

تصوير بليغ للمواجهة المستمرة بين الضعف والإيمان لدى المؤمن ، فضعفه يقع به في الذنب وإيمانه ينتشله بالتوبة والاستغفار ، ومع كثرة الفتن يتكرر منه الذنب أو يستمر عليه بسبب الغفلة والنسيان ، لكنه يتوب ويتذكر كلما مرت به المواعظ ، ومع تكرر التوبة والاستغفار تحف بالمؤمن رحمة الله فيكفيه شر الذنب في نهاية المطاف .


إدمان الذنوب مصطلح تعارف عليه علماء الإسلام ، ويعنون به التكرار مع صعوبة الإقلاع ، وسأستخدم نفس المصطلح ولا أعني به مصطلح الإدمان في الطب النفسي . وسأستخدم كلمة (تعافي) لمحاولة التخلص من الذنب . 


بشارات ونصائح عملية للتعافي من إدمان الذنب 


 البشارة الأولى : لا يظن المتعافي أن الله جل وعلا تخلى عنه أو ظلمه أو لم يستجب دعاءه وإلحاحه ! مرحلة التعافي من إدمان الذنب تستغرق عدة أسابيع أو أشهر، يتخللها بعض الصعوبات نتيجة تعود الجهاز النفسي والعصبي . حين يتعافى المذنب تماماً سيرى المكاسب التي حققها بطول المجاهدة والمصابرة وكثرة الدعاء سيكون بعد التعافي بإذن الله أقوى إيماناً وثباتاً من ذي قبل ، وأكثر خوفاً من تجاوز حدود الله في المستقبل !

 ﴿وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [العنكبوت ٦٩]

والذين جاهدوا أنفسهم ابتغاء مرضاتنا لنوفقنهم لإصابة الطريق المستقيم، وإن الله مع المحسنين بالعون والنصر والهداية. (المختصر في التفسير)


البشارة الثانية : في كل مرة يقرر المتعافي ترك الذنب سيشعر بالحماس في البداية وكأن الأمر انتهى ، لكن خلال يوم أو بضعة أيام سيشعر بالضيق والضغط النفسي لممارسة الذنب ، ثم يضعف ويمارسه !

نبشره أن توبته صادقة ولم يكذب ، ونبشره أن الضغط النفسي سيقل مع مرور الأيام والأسابيع حتى يعافيه الله تماماً . كل لحظة ضعف ووقوع في الذنب نعتبرها كبوة حصان في مضمار التعافي ، يقوم بعد كل كبوة ليواصل المشوار . المهم ألا يستسلم ويتوقف ، لأن التوقف يزيد من الإدمان ويُصعِّب التعافي أكثر وأكثر .

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي يتكرر منه الذنب، ويستغفر في كل مرة أن الله تعالى يقول : "غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، فَلْيَعْمَلْ ما شاءَ." رواه البخاري ومسلم .

«فَليعملْ ما شاءَ» ، يعني يعملُ ما شاءَ مَا دَامَ كلَّما أذْنبَ تابَ مِن ذنبِه واستغفرَ (موقع الدرر السنية)


البشارة الثالثة : رغبة المتعافي في ترك الذنب وحسرته من مقارفته دليلٌ على محبته لله ورسوله . لا ينبغي له أن يسب نفسه ويتهمها بالنفاق والخبث .

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا علَى عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وكانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وكانَ يُضْحِكُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ جَلَدَهُ في الشَّرَابِ، فَأُتِيَ به يَوْمًا فأمَرَ به فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العنْه، ما أكْثَرَ ما يُؤْتَى بهِ؟ فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ إنَّه يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ. رواه البخاري . 

فهذا الصحابي رضي الله عنه كان خفيف الظل وصاحب طرفة ، وكان ضعيفاً أمام الخمر ؛ يشربها فيُؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيأمر بجلده ، فلعنه أحد الحضور بسبب تكرر الأمر منه ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنه ، وأخبرهم أنه يحب الله ورسوله .


البشارة الرابعة : الجوائز الخمس التي يمنحها الله للمتعافي مهما تكرر الذنب :

- يفرح الله بتوبته ! "لَلَّهُ أشَدُّ فَرَحًا بتَوْبَةِ أحَدِكُمْ، مِن أحَدِكُمْ بضالَّتِهِ، إذا وجَدَها." رواه مسلم .

- يمسح ذنبه ! ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ﴾ [الزمر ٥٣]

- يبدل الله سيئاته حسنات يوم القيامة ! ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلࣰا صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَیِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَـٰتࣲۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا﴾ [الفرقان ٧٠]

- يحبه الله ! ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلتَّوَّ ٰ⁠بِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ﴾ [البقرة ٢٢٢]

- يستغفر له حملة العرش ! ﴿ٱلَّذِینَ یَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ یُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَیُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَیَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۖ رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَیۡءࣲ رَّحۡمَةࣰ وَعِلۡمࣰا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِینَ تَابُوا۟ وَٱتَّبَعُوا۟ سَبِیلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِیمِ﴾ [غافر ٧]


  

النصيحة الأولى : تشتيت " شرارة " الذنب 

شرارة الذنب هي الوهلة الأولى عندما يخطر الذنب على البال ، ويمكن تشتيت تلك الخاطرة بسهولة أول ما تطرأ خلال ثوانٍ معدودة إلى دقيقتين تقريباً ، أما إذا استمر التفكير قويت الشرارة وأشعلت فتيل الذنب وتحولت الخاطرة إلى رغبة جادة يصعب مقاومتها .

الإنسان لا يستطيع إيقاف عقله عن التفكير عندما تنقدح الشرارة بباله ، لكنه يستطيع إشغال عقله بالتفكير في شيءٍ آخر ؛ فيقوم فوراً من مكانه ويبادر بأحد هذه الأعمال (أمثلة فقط) :

إعداد كوب شاي ، اتصال هاتفي بشخص يرتاح له، الوضوء ، الرسم والتلوين، ترتيب الغرفة أو المكتب ، قراءة تفسير آية أو شرح حديث شريف في موضوع بعيد عن موضوع الذنب مع كتابة الفوائد ، مشاهدة مقطع مرئي خفيف على النفس ، عمل تمارين بدنية لبضع دقائق، المشي السريع لعدة دقائق، قول لا حول ولا قوة إلا بالله عشر مرات مع التفكير المركز في معناها ، الاستحمام بماء منعش، سقي حوض الزهور وتقليم الأغصان ، الاتصال بأحد الوالدين والتحدث معه أو سؤاله عن أغراض يحتاجها وتوفيرها له ، فتح الحساب البنكي والتصدق بمبلغ يسير...

بمجرد البدء في أحد هذه الأعمال سيلاحظ المتعافي كيف تتلاشى الشرارة !

أسلوب تشتيت الشرارة من أقوى وأنفع الأساليب المجربة ، وكل محاولة ناجحة في تشتيت الشرارة تُعتبر مكسباً وزيادةً في بناء المناعة ، ومع الوقت سيلاحظ المتعافي تحسناً في قدرته على السيطرة والتحكم بإذن الله .


النصيحة الثانية : الندم النافع

عندما يضعف المتعافي في بعض الأحيان ويقارف الذنب سيشعر بالندم والحسرة ؛ هذا الشعور قد يكون نافعاً أو ضاراً ! .

الندم النافع هو الذي يجعله يستغفر مباشرةً ويقوم بعملٍ طيب مهما كان سهلاً (صلاة ركعتين ، ممارسة الرياضة أو المشي ، صدقة ، اتصال بقريب أو مريض والسلام عليه والدعاء له ..) ، والعودة لمضمار التعافي وكأن شيئاً لم يكن .

الندم الضار هو الإحباط الشديد وسب النفس واتهامها ، أو الشعور بفساد الحال وبالتالي زيادة الذنب أو البدء في ذنب آخر جديد ، وكل ذلك من وساوس الشيطان أعاذنا الله منه . 

﴿ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ لَكُمۡ عَدُوࣱّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا یَدۡعُوا۟ حِزۡبَهُۥ لِیَكُونُوا۟ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ ۝٦﴾ [فاطر  ٦] ، الشيطان لا يكفيه أن يوقعنا في الذنب ، بل يصيبنا بعده بالندم السلبي الضار ليجرنا إلى المزيد ويبعدنا عن الخير وأهله ، الشيطان همه أن يصحبنا معه إلى السعير. 

 

النصيحة الثالثة : الحسنات يُذهبن السيئات 

مهما تكرر الذنب فليستمر المتعافي في فعل الطاعات ، وعلى رأسها الصلوات الخمس (مع الجماعة للرجال) ، وبر الوالدين والإحسان للخلق ، والاستغفار ، وأذكار الصباح والمساء ، وقول : لا إله إلا الله من القلب بصدق  . الحسنات تغسل أثر السيئات وتعين على التعافي ، وإذا عجز المبتلى عن التعافي فإن كثرة الحسنات في ميزانه يوم القيامة ترجح بذنبه بفضل الله ورحمته !

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا أصابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَهُ فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} [هود: 114] فقالَ الرَّجُلُ: يا رَسولَ اللَّهِ ألِي هذا؟ قالَ: لِجَمِيعِ أُمَّتي كُلِّهِمْ. رواه البخاري .


النصيحة الرابعة : الوحدة خطر !

الوحدة والعزلة عن الآخرين تزيد الهم والوساوس ، وتقلل فرصة التعافي ، وتجعل الإنسان فريسة سهلة للشيطان .

يحرص المتعافي على الجلوس مع الأهل في الصالة أو المجلس ولا ينعزل في غرفته ، ويحرص على حضور المناسبات ولو كان كارهاً لذلك .

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليْكم بالجماعةِ فإنَّما يأْكلُ الذِّئبُ القاصيةَ " رواه أبو داود والنسائي وحسنه الألباني .

أي : الْزَموا صَلاةَ الجماعةِ ، حتَّى لا يتَسلَّط عليكم الشَّيطانُ، "فإنَّما يَأكُلُ الذِّئبُ القاصيَةَ"، أي: الشَّاةَ البَعيدةَ مِن الأغنامِ؛ لِبُعدِها عن راعيها، والمرادُ: أنَّ الشَّيطانَ يتَسلَّطُ على تارِكِ الجَماعةِ ، كما يتَسلَّطُ الذِّئبُ على الشَّاةِ المنفرِدةِ عن قَطيعِ الغنَمِ. (موقع الدرر السنية باختصار) . 


النصيحة الخامسة : الحركة بركة

الرياضة والنزهة والسفر أمور نافعة جداً أثناء التعافي ، لأنها تكسر الروتين ، وترفع المعنويات ، وتشغل العقل عن خواطر الذنب . يحرص المتعافي على ذلك مع أهله أو رفقة صالحة يرتاح لهم .

  

النصيحة السادسة : الصاحب ساحب

الصحبة الصالحة خير معين على التعافي لأن المتعافي ينشط معهم وينشغل بالخير، وهم متواجدون في حلقات القرآن ، والعمل الخيري والإغاثي . ويجب الحذر من الأماكن والأشخاص والأشياء التي تذكر بالذنب .

الرجل الذي قتل مئة نفس فسأل عالماً : هل له من توبة ؟ فقالَ: نَعَمْ، ومَن يَحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إلى أرْضِ كَذا وكَذا، فإنَّ بها أُناسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فاعْبُدِ اللَّهَ معهُمْ، ولا تَرْجِعْ إلى أرْضِكَ، فإنَّها أرْضُ سَوْءٍ .. رواه البخاري ومسلم .


النصيحة السابعة : الانشغال بما ينفع 

الفراغ عدو لدود ، كلما كان المتعافي فارغاً تسلطت عليه الخواطر المؤذية ووقع في الذنب . فلينشغل قدر المستطاع في دراسة أكاديمية أو دورات تدريبية أو عمل تطوعي أو وظيفة نافعة مهما كان مرتبها  . 



لاءات التعافي


لا تيأس : اليأس من رحمة الله هو التوقف عن الاستغفار والدعاء ، أما ما دام المتعافي يستغفر كلما قارف الذنب ويدعو الله أن يعافيه منه فهو يرجو رحمة الله ولم يقنط ، ولا يضره مجرد الشعور بالإحباط والعجز فذلك ليس قنوطاً .

يقول صلى الله عليه وسلم : "لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ قيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ما الاسْتِعْجَالُ؟ قالَ: يقولُ: قدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذلكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ." رواه مسلم .


لا تجاهر بذنبك عند الآخرين وفي وسائل التواصل ، لأن المجاهرة سبب في الحرمان من العافية ، يقول صلى الله عليه وسلم : "كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه" رواه البخاري ومسلم .

الذي يستر نفسه ويسير في مضمار التعافي سيصل بإذن الله . أما ذكر المشكلة عند مستشار طلباً للمساعدة فليس من المجاهرة ، بل أمر مطلوب كما كان بعض الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذنوبٍ عملوها فيرشدهم إلى سبيل الخلاص . يقول عليه الصلاة والسلام : "اجتنِبوا هذه القاذوراتِ التي نهى اللهُ تعالى عنها ، فمن ألَمَّ بشيءٍ منها فلْيستَتِرْ بسِترِ اللهِ ، و لْيَتُبْ إلى اللهِ " صححه الألباني في صحيح الجامع .


لا تحلف ولا تعاهد الله على ترك الذنب :  الحلف بالأيمان المغلظة وقطع العهود مع الله سبحانه على ترك الذنب لن يجدي ، لأن المتعافي معرض للتعثر ، وسيكون أثر عدم الالتزام بالعهود سيئاً وضاراً .


البديل الأفضل هو القرار الحازم على "التعافي" من الذنب ، بمعنى أنه سيشتت شرارة الذنب في بدايتها ، وسيكرر التشتيت مع كل شرارة ، وسيواصل المشوار مهما تعثر ، وسينشغل قدر المستطاع ، وسيبتعد عن الوحدة والعزلة ، وسيصحب الأخيار ، ويجدد التوبة والاستغفار بعد كل عثرة ولو تكرر ذلك يومياً أو عدة مرات في اليوم الواحد ، ويستمر على الأعمال الصالحة ولن يسمح لإبليس بأن يحطمه ويجره إلى ترك الخير وأهله .


لا تعترض على قضاء ربك فقد نهاك الله عن المعصية ففعلتها ثم كررتها ، وبالتالي أنت المسئول عن حصول الإدمان ، وقضاء الله سبحانه لعبده المؤمن خير، حتى الذنب لأن المؤمن يجاهد نفسه ومآله إلى التوبة فيبدل الله سيئاته حسنات . الاعتراض على القدر لا ينفعك ، بل يزيد حزنك ومعاناتك ويؤخر تعافيك .


لا تتردد في استشارة طبيب نفسي عندما تشعر بواحد أو أكثر من هذه الأعراض (لن تستطيع معالجتها بمفردك) :

- أعراض الاكتئاب  (حزن متواصل ، وانعزال عن الناس ، واضطراب النوم ، وفقدان المتعة في الأشياء التي كنت تحبها سابقاً ، وشعور بعدم الجدوى من أي شيء تفعله) .

- الشعور بالملل من الحياة والرغبة في الموت .

- تغير السلوك مع الآخرين بشكل غير مناسب .

- الشعور بخواطر ووساوس قوية لا تستطيع مقاومتها حول الإيمان والكفر والقدر.

- الشعور بأعراض جسمية ولا يتبين سببها لدى الطبيب الباطني (صداع - قولون - دوخة - خفقان - آلام في الصدر- تقلصات عضلية..) فقد يكون سببها القلق النفسي والاكتئاب وتُسمى : أعراض نفسجسمانية . 


***

حفظكم الله من كل مكروه

وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم 


الآيات القرآنية وتفسيرها : موقع الباحث القرآني 

الأحاديث الشريفة وشرحها : موقع الدرر السنية 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طريق الطمأنينة .. كيف يتجاوز المؤمن ألم الهموم والمصائب

تأملات في الحكمة من ابتلاء الأطفال بالأمراض

وأعفيت لحيتي