الهم والحزن في حياة الصالحين
بسم الله الرحمن الرحيم
أخطأ بعض المتصوفة الذين رأوا الحزن فضيلة واعتبروه من منازل السائرين إلى الله، واستشهدوا لذلك بأحاديث وآثار لا تصح ، حتى إن بعضهم يدعو الله أن يديم حزنه!
بالمقابل أخطأ بعض الدعاة والوعاظ حين اعتبروا السلامة من الهم والحزن علامة على قوة الإيمان، وجائزة دنيوية على الأعمال الصالحة، وأن طول الحزن والهم من نتائج أو علامات قسوة القلب والغفلة عن ذكر الله، وأن المؤمن لا يصيبه مرض الاكتئاب والقلق، وتراهم يعزون المصاب في بدنه أو ماله بأن ذلك ابتلاء، أما المصاب في مشاعره ووجدانه بالهم والحزن فيتهمونه بالذنب ويربطون عافيته بالتوبة والاستغفار، واستدلوا لذلك بمثل قوله سبحانه ﴿مَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَلَنُحۡیِیَنَّهُۥ حَیَوٰةࣰ طَیِّبَةࣰۖ﴾ وقوله ﴿ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾ وقوله ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَةࣰ ضَنكࣰا﴾ ، واستشهدوا بتفسير بعض المتأخرين دون الرجوع لتفسير السلف المتقدمين رحمهم الله. وهذا الفهم الخطأ ضار بصحة المؤمن النفسية لأن الكثيرين يرجعون على أنفسهم باللوم واتهامها بضعف الإيمان وقسوة القلب لمجرد وجود الحزن والهم أو طوله وشدته ! وقد شاهدت كما شاهد الأطباء النفسانيون الأثر السلبي لهذا المفهوم على المتدينين عندما تطول همومهم وأحزانهم، أو يبتلى أحدهم بمرض الاكتئاب أو القلق. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وكما أن أمراض الجسم ما إذا مات الإنسان منه كان شهيدا، كالمطعون والمبطون وصاحب ذات الجنب وكذلك الميت بغرق أو حرق أو هدم ; فمن أمراض النفس ما إذا اتقى العبد ربه فيه وصبر عليه حتى مات كان شهيدا.." الفتاوى ١٠ /١٣٨ – ١٣٩.
_الهم والحزن نوعٌ من البلاء الذي كتبه الله على عموم البشر مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم اختباراً وامتحاناً ، وحيث أن البلاء على قدر الدين والإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام " أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الرجلُ على حسَبِ دينِه ، فإنَّ كان في دينِه صُلْبًا ، اشْتدَّ بلاؤه ، وإن كان في دينِه رقةٌ ابْتُليَ على قدْرِ دينِه ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتى يتركَه يمشي على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ" صحيح الجامع، فلا غرابة أن يُبتلى بعض الأنبياء والصالحين بكثرة الحزن والهم لأسباب شرعية أو دنيوية. الشرعية كإعراض أقوامهم وتكذيبهم ومحاربتهم، وانتشار المنكرات، وتحديات التربية الصالحة للأهل والأولاد، ومن ذلك حزن النبي صلى الله عليه وسلم على تكذيب قومه له وإعراضهم عن دعوته . والدنيوية مالية وأسرية وصحية ونفسية ، ومن ذلك حزن يعقوب الشديد على يوسف عليهما الصلاة والسلام حتى أصابه العمى وكاد يهلك، وحزن أيوب عليه السلام بسبب المرض الشديد والفقر وعصيان زوجته له.
_ لَمَّا نَزَلَتْ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] بَلَغَتْ مِنَ المُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا،(وظنوا أن الذنوب لا تُغفر وسيُعذبون بها في الآخرة) فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: قَارِبُوا وَسَدِّدُوا؛ فَفِي كُلِّ ما يُصَابُ به المُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا. رواه مسلم. وفهم السلف أن المصائب في الجسد والمشاعر والمال والولد كفاراتٌ للذنوب، والخطأ الذي وقع فيه الكثيرون _ بعد عصر السلف_ فصل المصائب الوجدانية المشاعرية (كالهم والحزن والقلق) عن مصائب الجسد والولد والمال ، فجعلوا مصائب الوجدان عقوبات، ومصائب الجسد كفارات !.
_ النفس البشرية تستوعب عدة مشاعر في نفس الوقت ؛ وتلك المشاعر تتفاعل مع بعضها البعض فتزيد آثار المشاعر أو تخف، كالحزن يشتد ويعظم ضرره إذا اجتمع معه الخوف والهم والاعتراض على القدر أو الشك في الآخرة، أما إذا اجتمع معه الفرح بالنعم الموجودة واليقين بأجر الآخرة وتكفير الذنوب خف ضرره . ينعم الله على الصالحين إذا أصابهم الهم والحزن بنعمة السكينة والصبر والرضا واحتساب الأجر واليقين بوعد الآخرة ، ونعمة الثبات والعمل الصالح دون يأس وقنوط ، حتى لو استمر الهم والحزن فإنه يخف بتلك المشاعر الطيبة كالهواء العليل إذا تحرك بلطف في وجه الذي يعاني من حرارة الجو. وهذا هو الفرق الرئيس بين الصالحين وغيرهم ، وليس الفرق أنهم لا يصيبهم الهم والحزن !
قال صلى الله عليه وسلم " ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ." رواه البخاري ، وقال " إنَّ الرجلَ ليكون له عند اللهِ المنزلةُ ، فما يبلغهُا بعملٍ ، فما يزال يبتلِيه بما يكره حتى يُبَلِّغُه إياها" صحيح الترغيب .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وَلِهَذَا يَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانَ يُصِيبُهُمْ فِي الدُّنْيَا الْحَزَنُ، كَمَا يُصِيبُهُمْ سَائِرُ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَجْرِي عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ. انتهى (مدارج السالكين) ، ونقل رحمه الله في كتاب الروح عن صَالح بن بشير قَالَ : رَأَيْت عَطاء السلمى فِي النّوم بعد مَوته فَقلت لَهُ : يَرْحَمك الله لقد كنت طَوِيل الْحزن فِي الدُّنْيَا! فَقَالَ : أما وَالله لقد أعقبني ذَلِك فَرحا طَويلا وسرورا دَائِما. فَقلت : فِي أى الدَّرَجَات أَنْت؟ قَالَ: مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ .
_السعادة الدنيوية وقلة الهموم والأحزان يقسمها الله لبعض الصالحين نعيماً معجلاً ويدخرها للبعض مؤجلاً مضاعفاً ، ولكنها ليست ثمرة لازمة للعمل الصالح. كما أنها اختبار للمؤمن؛ هل يشكر الله بنسبة السعادة لفضل الله ويستعملها في طاعته؟! فإن كثيرا من الأعمال الصالحة لا يستطيعها المؤمن إلا إذا كان منشرح الصدر طيب النفس.
_ المؤمن يستعيذ بالله من الهم والحزن كما استعاذ منهما النبي صلى الله عليه وسلم، ويبتعد عن أسبابهما، ويسأل الله العافية والسكينة والرضا. فإذا ابتلي بهما صبر واحتسب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما الحزن فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل قد نَهَى عنه في مواضع، وإن تعلق أمر الدين به، كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾، وذلك لأنه لا يجلب منفعة، ولا يدفع مضرة، ولا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به، نعم لا يأثم صاحبه إذا لم يقترن بحزنه محرم، كما يحزن على المصائب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ»، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾، وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه، ويُحمد عليه، ويكون محمودًا من تلك الجهة، لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عمومًا، فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير، وبغض الشر وتوابع ذلك، ولكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد وجلب منفعة ودفع مضرة : منهي عنه. انتهى.
تفسير بعض الآيات من كلام المتقدمين وتصحيح بعض المفاهيم
﴿أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِینَ ٱجۡتَرَحُوا۟ ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَوَاۤءࣰ مَّحۡیَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ﴾ قال مجاهد في معناها : الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ مُؤْمِنًا وَيُبْعَثُ مُؤْمِنًا، وَالْكَافِرُ يَمُوتُ كَافِرًا وَيُبْعَثُ كَافِرًا. وقال ابن الجوزي في زاد المسير : والمَعْنى: إنَّ هَؤُلاءِ يَحْيَوْنَ مُؤْمِنِينَ ويَمُوتُونَ مُؤْمِنِينَ، وهَؤُلاءِ يَحْيَوْنَ كافِرِينَ ويَمُوتُونَ كافِرِينَ؛ وشَتّانَ ماهم في الحالِ والمَآلِ . وروى الطبري عن قتادة : لعمري لقد تفرّق القوم في الدنيا، وتفرّقوا عند الموت، فتباينوا في المصير.
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير : فَيَكُونُ المَعْنى: إنْكارُ أنْ يَسْتَوِيَ المُشْرِكُونَ مَعَ المُؤْمِنِينَ لا في الحَياةِ ولا بَعْدَ المَماتِ، فَكَما خالَفَ اللَّهُ بَيْنَ حالَيْهِمْ في الحَياةِ الدُّنْيا فَجَعَلَ فَرِيقًا كَفَرَةً مُسِيئِينَ وفَرِيقًا مُؤْمِنِينَ مُحْسِنِينَ، فَكَذَلِكَ سَيُخالِفُ بَيْنَ حالَيْهِمْ في المَماتِ فَيَمُوتُ المُشْرِكُونَ عَلى اليَأْسِ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إذْ لا يُوقِنُونَ بِالبَعْثِ ويُلاقُونَ بَعْدَ المَماتِ هَوْلَ ما تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ، ويَمُوتُ المُؤْمِنُونَ رَجاءَ رَحْمَةِ اللَّهِ والبُشْرى بِما وُعِدُوا بِهِ ويُلاقُونَ بَعْدَ المَماتِ ثَوابَ اللَّهِ ورِضْوانَهُ. انتهى
هذا ما اتفق عليه الأئمة (الطبري ، القرطبي، البغوي ، ابن كثير ، ابن الجوزي ..) في تفاسيرهم ، ولم يذكروا السعادة الدنيوية مقابل الهم والحزن في مقارنة الفريقين كما يقول بعض المتأخرين .
﴿مَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَلَنُحۡیِیَنَّهُۥ حَیَوٰةࣰ طَیِّبَةࣰۖ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾
قال الإمام ابن الجوزي في زاد المسير : اخْتَلَفُوا أيْنَ تَكُونُ هَذِهِ الحَياةُ الطَّيِّبَةُ عَلى ثَلاثَةِ أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّها في الدُّنْيا، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. ثُمَّ فِيها لِلْمُفَسِّرِينَ تِسْعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها القَناعَةُ، قالَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةٍ، والحَسَنُ في رِوايَةٍ، ووَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. والثّانِي: أنَّها الرِّزْقُ الحَلالُ، رَواهُ أبُو مالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ الضَّحّاكُ: يَأْكُلُ حَلالًا ويَلْبَسُ حَلالًا. والثّالِثُ: أنَّها السَّعادَةُ، رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والرّابِعُ: أنَّها الطّاعَةُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. والخامِسُ: أنَّها رِزْقُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ، قالَهُ قَتادَةُ. والسّادِسُ: أنَّها الرِّزْقُ الطَّيِّبُ، والعَمَلُ الصّالِحُ، قالَهُ إسْماعِيلُ بْنُ أبِي خالِدٍ. والسّابِعُ: أنَّها حَلاوَةُ الطّاعَةِ، قالَهُ أبُو بَكْرٍ الوَرّاقُ. والثّامِنُ: العافِيَةُ والكِفايَةُ. والتّاسِعُ: الرِّضى بِالقَضاءِ، ذَكَرَهُما الماوَرْدِيُّ.
والثّانِي: أنَّها في الآخِرَةِ، قالَهُ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ، وذَلِكَ إنَّما يَكُونُ في الجَنَّةِ.
والثّالِثُ: أنَّها في القَبْرِ، رَواهُ أبُو غَسّانَ عَنْ شَرِيكٍ. انتهى
هذا مجمل أقوال السلف والأئمة المتقدمين في معنى الآية ، فالعجب كيف أُدخلت السلامة من الهم والحزن في معنى الحياة الطيبة؟
(ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾
قال الإمام البغوي في تفسيره : ﴿وَتَطْمَئِنُّ﴾ تَسْكُنُ، ﴿قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ قَالَ مُقَاتِلٌ: بِالْقُرْآنِ، وَالسُّكُونُ يَكُونُ بِالْيَقِينِ، وَالِاضْطِرَابُ يَكُونُ بِالشَّكِّ، ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ تَسْكُنُ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَيَسْتَقِرُّ فِيهَا الْيَقِينُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الْحَلِفِ، يَقُولُ: إِذَا حَلَفَ الْمُسْلِمُ بِاللَّهِ عَلَى شَيْءٍ تَسْكُنُ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ فَكَيْفَ تَكُونُ الطُّمَأْنِينَةُ وَالْوَجَلُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ؟ قِيلَ: الْوَجَلُ عِنْدَ ذِكْرِ الْوَعِيدِ وَالْعِقَابِ، وَالطُّمَأْنِينَةُ عِنْدَ ذِكْرِ الْوَعْدِ وَالثَّوَابِ، فَالْقُلُوبُ تَوْجَلُ إِذَا ذَكَرَتْ عَدْلَ اللَّهِ وَشِدَّةَ حِسَابِهِ، وَتَطْمَئِنُّ إِذَا ذَكَرَتْ فَضْلَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ وَكَرَمَهُ. انتهى.
الطمأنينة هي يقين القلب بالإيمان والتوحيد، والاستبشار بوعد الله، وليس المراد امتناع الحزن والهم البشري الطبيعي.
(وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَةࣰ ضَنكࣰا)
قال ابن الجوزي في زاد المسير :
قالَ عَطاءٌ: عَنْ مَوْعِظَتِي. وقالَ ابْنُ السّائِبِ: عَنِ القُرْآنِ، ولَمْ يُؤْمِن بِهِ، ولَمْ يَتَّبِعْهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾... وَلِلْمُفَسِّرِينَ في المُرادِ بِهَذِهِ المَعِيشَةِ خَمْسَةُ أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّها عَذابُ القَبْرِ.. ومِمَّنْ ذَهَبَ إلى أنَّهُ عَذابُ القَبْرِ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، والسُّدِّيُّ.
والثّانِي: أنَّهُ ضَغْطَةُ القَبْرِ حَتّى تَخْتَلِفَ أضْلاعُهُ فِيهِ، رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّالِثُ: شِدَّةُ عَيْشِهِ في النّارِ، رَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ. قالَ ابْنُ السّائِبِ: وتِلْكَ المَعِيشَةُ مِنَ الضَّرِيعِ والزَّقُّومِ.
والرّابِعُ: أنَّ المَعِيشَةَ الضَّنْكَ: كَسْبُ الحَرامِ، رَوى الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: المَعِيشَةُ الضَّنْكُ: أنْ تُضَيَّقَ عَلَيْهِ أبْوابُ الخَيْرِ فَلا يُهْتَدى لِشَيْءٍ مِنها، ولَهُ مَعِيشَةٌ حَرامٌ يَرْكُضُ فِيها. قالَ الضَّحّاكُ: فَهَذِهِ المَعِيشَةُ هي الكَسْبُ الخَبِيثُ، وبِهِ قالَ عِكْرِمَةُ.
والخامِسُ: أنَّ المَعِيشَةَ الضَّنْكَ: المالُ الَّذِي لا يَتَّقِي اللَّهَ صاحِبُهُ فِيهِ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. انتهى
هذا مجمل أقوال السلف وليس فيها ما يدل على أن الهم والحزن والاكتئاب لا تصيب المؤمن أو أنها إذا أصابته فهو دليل على غفلته وقسوة قلبه.
اللهم اشرح صدورنا ويسر أمورنا واهدنا سواء الصراط
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
آمين يارب العالمين
ردحذفمقال جميل يشرح الصدر
الله يجزاك خير ويفرج لك ولنا ولكل مسلم
مقال يشرح الصدر ، بارك الله بعلمك
ردحذفجزاك الله خير يادكتور على هذا المقال الجميل, حقيقتا انا امر في ازمة حزن هذه الفترة ومما زاد همي هو الظن انني مقصر في الطاعات وكان ربطي غير دقيق في مفهوم السعادة والحزن ولكن مقالك جميل جدا وضح لي جانب مهم جدا ومنظور اخر في الهم والحزن , اسأل الله لنا ولكم السعادة والرضا في الدنيا والأخرة
ردحذفجزاك الله خيرا وبارك فيك
ردحذف