في حر الصيف .. نتأمل ونعتبر بدل أن نتذمر فقط !
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن ويسر
عندما نعرق في حر الصيف ، تخيلت : ماذا لو كنتُ لا أعرق !! ، وهي حالة طبية معروفة Unhydrosis ، أسبابها متعددة ؛ منها ما يكون وراثياً يولد مع بعض الأطفال ، ومنها ما يكون مكتسباً بسبب بعض الأمراض أو الإصابات الجلدية الناتجة عن الحروق وغيرها .. أولئك يعانون من ارتفاع حرارة أجسامهم فوق المعدل الطبيعي عند بذل مجهود أو التعرض لحرارة الجو ، كما يعانون من تصلبات عضلية وإجهاد ودوخة ، وإذا لم يتداركوا الأمر بالاستراحة في مكان بارد وتخفيف الملابس فقد يصل الإجهاد الحراري إلى ما يُسمى بضربة الشمس الخطرة على الحياة .
عندما نتضايق من حرارة الشمس ؛ تخيلتُ لو كنتُ مبتلىً بحساسية الشمس Sun allergy ، شريحة ليست قليلة من الناس ، تولد معهم أو يكتسبونها لاحقاً ، يظهر على جلودهم طفح جلدي وحكة إذا تعرضوا للشمس ، تخف الأعراض بالبعد عن الشمس ، ويُنصحون باتقائها واستخدام الكريمات الوقائية عند التعرض لها .
نحمد الله الذي عافانا ، ونحمده على ما رزقنا من النعم ووسائل التبريد ، ونحمده على الشريعة السمحة التي منعت التعنت والتشدد ؛ تخيلتُ لو كان التنعم بالبرودة محرماً أو مكروهاً !! رأَى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا قائما في الشَّمسِ ، فقال : من هذا ؟ قالوا : هذا أبو إسرائيلَ ؛ نذر أن يقومَ في الشَّمسِ ولا يقعُدَ ، ولا يستظلَّ ، ولا يتكلَّمَ ! فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : مُروه فليتكلَّمْ ، وليجلِسْ ، وليستظِلَّ . رواه البخاري .
أرى حرارة الشمس المحرقة فأتخيل التابعي الجليل مرثد اليزني ، المشهور بأبي الخير، رحمه الله ،الذي قال : سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " كل امرىء فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ قَالَ يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ ، فكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخَطِّيهِ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ ولو بِكَعْكَةٍ أَوْ بَصَلَةٍ أَوْ شَيْءٍ . رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني . يُبعث الناس من قبورهم وقبل أن يبدأ حسابهم ، تدنو الشمس من العباد ، ويكونون بسببها في كرب عظيم ويكون كل شخص في ظل صدقته ، فكان أبو الخير يتصدق كل يوم بما تيسر عنده ولو بصلة أو كعكة ، والكعك ما يُخبز ويكون ناشفاً قابلاً للنقل والتخزين (مثل الشابورة في زماننا) .
وأتخيل الصالحين ينعمون بالظل في تلك الكربة بحسب أعمالهم .. قال الإمام القرطبي رحمه الله في التفسير: ..أن في القيامة ظلالًا بحسب الأعمال الصالحة، تقي صاحبها من وَهَج الشمس، ولَفْح النار، وأنفاس الخَلْق، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "كلّ امرئ في ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس" ، ولكن ظل العرش أعظم الظلال، وأشرفها، فيخصّ الله به من يشاء من صَالِح عباده، ومن جملتهم المتحابون لجلال الله. (انتهى)
وأتخيل أمراً من عجائب الجنة والنار؛ أنهما يتكلمان بأمر الله ، وتدعوان للمؤمن ، قال عليه الصلاة والسلام "من سألَ اللَّهَ الجنَّةَ ثلاثَ مرَّاتٍ قالتِ الجنَّةُ : اللَّهمَّ أدخلهُ الجنَّةَ ، ومن استجارَ منَ النَّارِ ثلاثَ مرَّاتٍ ، قالتِ النَّارُ : اللَّهمَّ أجِرْهُ منَ النَّارِ" رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني . وتشتكي النار إلى خالقها ، تقول : يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ : نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ. رواه البخاري ومسلم ، فالصيف والشتاء موجودان بدون تنفس النار ، لكن النفس الجهنمي يزيد الشعور بشدة الحر في الصيف وشدة البرد في الشتاء ولا يتعارض مع الأسباب الطبيعية التي خلقها الله وجعلها سبباً لتغير الفصول وحرارة الجو. الإيمان بكلام الجنة والنار ونفس الشتاء والصيف علامة على الإيمان بالغيب والتصديق بقدرة الله واليقين بأن خبر الوحي حقٌ لا شك فيه ولو لم تدركه حواسنا . الإيمان بالغيب من أعظم سمات المؤمنين ومن أهم أسباب محبة الله لهم .
سنعيش موسم الصيف ونذوق مرارة الحر، فمنا من يكتفي بالتذمر والتسخط ، ومنا من يُوفق للتذكر والاعتبار والاستعاذة من النار والاستعداد للآخرة بالصالحات .
﴿رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لِی وَلِوَ ٰلِدَیَّ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ یَوۡمَ یَقُومُ ٱلۡحِسَابُ﴾
معاني جديدة وجميله .. بارك الله فيك
ردحذفجزاكم الله خيرا دكتور ونسأل الله أن يظلنا تحت عرشه يوم لا ظل الا ظله ..
ردحذفرائع مقالة في وقتها جزاكم الله خيرًا .. تتميز بجمال الاستشهاد بالسنة .. نسأل الله أن يظلني وإياكم ووالدينا وذرياتنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله ..
ردحذفاللهم اعتق رقابنا ورقاب المسلمين من النار
ردحذفمقاله رائعة 🥲♥️
ردحذفالله يجعلها في ميزان حسناتك
ويجيرنا واياكم من النار ياحي ياقيوم
ما أحوجنا إلى تذكر الدار الآخرة بأحوال الدنيا والتذكير بها.
ردحذف( إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار)