ما الذي يحدث زمن الأوبئة وما دور الدعاة والصالحين
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ أعن ويسر
الأوبئة جزء من الابتلاء في الحياة
تشير الدراسات
الاستقرائية للأوبئة أن العالم يجتاحه وباء عام كل عشر سنوات إلى أربعين سنة
تقريبا ، هكذا اقتضت حكمة الحكيم الخبير سبحانه.
جائحة الكوليرا السادس 1899 - 1923
الأنفلونزا الإسبانية H1N1 1918
- 1920
الأنفلونزا
الآسيوية
(H2N2) 1957
_ 1958
انفلونزا هونج
كونج 1968 - 1969
أنفلونزا الخنازير (H1N1) 2009 - 2010
كورونا المستجد (كوفيد 19+
20) 2020 – 2021
أما داخل الدول والأقاليم فإن المئات من الأوبئة يتم رصدها سنوياً في كافة أنحاء العالم . في دراسة نشرت عام 2014 رصدت الأوبئة التي ظهرت بين عامي 1980 و 2013 (أي خلال 33 سنة) فكانت أكثر من 12 الف متفشية وبائية ل 215 مرض وبائي مختلف أصاب 44 مليون فرد في 219 دولة .
ينشغل العالم بالوباء ومكافحته ومعالجة آثاره، وتستغله شرائح مختلفة لخدمة مصالحها المالية أو السياسية أو الفكرية، في حين ينشغل الصالحون ودعاة الإسلام جزاهم الله خيراً بما هو أسمى وأبقى.
ما الذي يحدث زمن الأوبئة ؟
أولاً : ينتشر
الخوف والقلق
بسبب
فجأة الوباء وسرعة انتشاره ، وتساقط المرضى والموتى ، ويزيد منسوب القلق وآثاره لدى شرائح خاصة مثل :
المرضى
وكبار السن المعرضون لمضاعفات أشد من غيرهم .
أصحاب
المصالح والأعمال المعرضة للتلف والخسارة .
الذين
يعانون من حالة اكتئاب أو قلق مرضي سابق .
الذين يهتمون
كثيراً بتفسير الأحداث فيسيطر عليهم سؤال : ما سبب الوباء ؟ .
الذين
لديهم هاجس أمني عالي ، ويحرصون على وسائل السلامة ، ويرون أن من مسؤوليتهم ضبط
الأمور والسيطرة على زمامها .
النتائج السلبية للقلق المفرط هي تضخيم المخاوف ، وتوقع السلبيات ، وتتبع الأضرار في الأخبار ،
والتفكير في الأزمة أكثر من التفكير في الحلول .
ثانياً : تستجد النوازل الفقهية ، وتتباين الرؤى حول الإجراءات الوقائية
عادة لا يظهر خلاف في التعامل مع الأمراض المعدية خفيفة الأضرار و نادرة الانتشار فيُكتفى بعلاج الحالات ومراقبة الوضع العام ، وكذلك الأوبئة شديدة الأضرار وسريعة الانتشار فتُتخذ إجراءات وقائية صارمة .
أما إذا كانت الأضرار متوسطة أو مجهولة أو محتملة للتغير مع الوقت أو متفاوتة من مكان لآخر فيظهر الخلاف في صفوف الأطباء والممارسين الصحيين وقادة الرأي والمسؤولين حيال الإجراءات اللازم اتخاذها ، وتتردد فتاوى وتوجيهات شرعية متباينة ، بعضها في طرف الإفراط والحذر المذموم ، وأخرى في طرف الإهمال والتساهل ، ويعصم الله فريقاً متوسطاً يهديهم للحكمة والرشاد .
سبب الخلاف هو تقدير مصالح ومفاسد الإجراءات الوقائية ، وسبب آخر هو المشاهدة الواقعية ؛ فمن فقد عزيزاً بسبب الوباء وعاين كثرة الحالات الشديدة في المستشفيات اختلف رأيه عمن لم يفقد أحداً والحالات التي شاهدها لم تكن شديدة .
ثالثاً : يظهر الضجر والملل
من الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالتعقيم وحظر التجول والتباعد الاجتماعي وتوقف السفر والأعمال والحد من الأنشطة التجارية . وتتأثر طوائف من المسنين خصوصاُ بتلك الإجراءات فتذبل حيويتهم وتكسوهم الكآبة .
رابعاً : تتداول الشائعات
تنتشر الشائعات مع الأحداث الخطيرة والغامضة ، وهذان العنصران (الخطورة والغموض) حاضران بقوة في بداية أي جائحة وبائية تهدد العالم أو جزءاً كبيراً منه ؛ فالوباء يهدد حياة الناس ومعاشهم ، والمعلومات التي تزيح ستار الغموض عن سببه وسبل مقاومته لا تتوفر فوراً ، بل يحتاج الخبراء المتخصصون الكثير من الوقت في البحث والتحليل .
انتشرت عدة شائعات خلال وباء انفلونزا الخنازير ووباء كورونا (كوفيد 19 المستجد) ، منها على سبيل المثال :
_ سبب وباء كورونا هو أبراج الجوال ، ونتج عن الشائعة تخريب الأبراج في عدة دول أوروبية على يد الجماهير الغاضبة التي صدقت الشائعة .
_ سبب انفلونزا الخنازير مؤامرة لتقليل سكان الأرض من خلال الفيروس واللقاح الذي تم إنتاجه ، ونتيجة الشائعة انتشار القلق ورفض أخذ اللقاح ، في حين زاد سكان العالم بعد الوباء ولم يمت الذين أخذوا اللقاح !
_ سبب وباء كورونا مؤامرة صليبية غربية على الإسلام والمسلمين ، مع أن الوباء ظهر في الصين الشيوعية ، وأكثر المتضررين منه أوروبا وأمريكا المسيحية وروسيا الشيوعية والهند الهندوسية !
_ سبب الوباء مؤامرة صينية لتدمير الاقتصاد الغربي ، أو مؤامرة أمريكية لتدمير الاقتصاد الصيني ، مع أن كافة الدول الغربية والشرقية عانت من الخسائر الاقتصادية الفادحة للوباء !
_ سبب وباء كورونا أن بيل جيتس بالتواطؤ مع منظمة الصحة العالمية سيسعون في تقليص سكان العالم من خلال الإرغام على اللقاحات التي تقتل البشر و تسبب العقم ! ، مع أن بيل جيتس يؤكد باستمرار في عدة مناسبات أن الأسرة تقلل عدد مواليدها إذا كانوا سيسلمون من الوفاة بسبب الأمراض والعدوى، أما إذا كثرت الوفيات لجأت لولادة المزيد وبالتالي استمرت نسبة النمو السكاني العالمي في الزيادة ، وتبنى فكرة أن تحسين الرعاية الصحية للمواليد والأطفال وتوفير اللقاحات الفعالة ضد الأمراض المعدية سيقلل وفيات الأطفال وبالتالي ستقلل الأسر من عدد مواليدها وسيتحقق استقرار نسبة النمو السكاني العالمي ، وقام بتدشين ودعم برامج رعاية الأمومة والطفولة وتوفير اللقاحات في عدة دول فقيرة خلال سنوات طويلة قبل وباء كورونا !
_ وباء كورونا وباء مصطنع لوجود تجارب محاكاة للتدريب على الوباء قبل وقوعه ، ولوجود توقعات عن نفس الوباء في الأفلام السينيمائية والروايات والتكهنات ! ، والبعيد عن حقل الصحة والطب الوقائي يستغرب تلك التوقعات في حين أنها طبيعية جداً عند أهل الاختصاص لأنهم هم مصدرها ، وتوقعاتهم مبنية على مشاهدات مستفيضة وتتبع دقيق لنشأة الأوبئة وتطورها ، وينشرون توقعاتهم وتحذيراتهم في الدوريات الطبية المتخصصة ، ويعلنون تحذيراتهم في المؤتمرات وورش العمل ، كما يتبنون برامج تدريبية على مكافحة الأوبئة المتوقعة قبل وقوعها ، ومن أشهر الفيروسات التي يحذرون باستمرار من احتمال انتشارها على شكل أوبئة عالمية : فيروسات الانفلونزا وفيروسات كورونا ، فليس مستغرباً أن يستفيد من تلك التوقعات صانعوا الأفلام وكتاب الروايات والسياسيون وبعض الدجالين والمشعوذين ، وليس غريباً البتة أن تتفق بعض التوقعات مع الواقع إذا حصل الوباء .
_ لقاحات كوفيد19 تحتوي على أنسجة حيوانية ضارة بالجنس البشري ، وتحتوي على أنسجة أطفال مجهضين ، وتحتوي على مواد كيميائية وسموم.. وغيرها من الشائعات التي ينشرها عادة معارضو اللقاحات وتنطلي على الكثيرين بسبب وجود معلومات عن الأنسجة الحيوانية والأطفال المجهضين والمواد السامة ضمن تفاصيل مراحل إنتاج بعض اللقاحات ، ولا تنطلي على المختص الذي يفهم أن تجربة اللقاح على أنسجة حيوانية في المختبر لا يعني أن اللقاح مصنع من تلك الأنسجة ! ويفهم أن المواد السامة التي تستخدم لتنقية اللقاح من الشوائب البكتيرية والفطريات يتم تصفيتها إلى أقصى حد ، ولا يتبقى منها إلا كميات ضئيلة جداً لا تؤثر على الصحة البشرية ، ويفهم أن بعض العناصر الكيميائية ضرورية لثبات اللقاح واحتفاظه بكفاءته !، ويفهم أن مراحل إنتاج اللقاح تبدأ في المختبر على الأنسجة الحية ثم يتم تجربته على الحيوانات لتقييم فعاليته في الوقاية من الميكروب وأمانه من المضاعفات الخطيرة ثم يتم تجربته على المتطوعين للتأكد من فعاليته وأمانه قبل تصريحه من الهيئات الطبية الرسمية ، وهذه الخطوات تتم وفق دستور علمي أخلاقي معروف ، كما أنها تكلف الكثير من الوقت والجهد والمال .
_ علاج فيروس كورونا هو ( ... ) العديد من وصفات الطب البديل التي يتم تداولها ، ومن المؤسف أن أنصار الطبيعة ومعارضي اللقاحات ومعالجي الطب البديل لا يقومون بنفس الخطوات المذكورة في النقطة السابقة لإثبات كفاءة الأدوية التي يقترحونها ، بل يعتمدون على إقناع المتلقي بالحديث بثقة عالية (قاعدة : كن واثقاً يصدقك الناس!) ، وقاعدة : هذه أشياء طبيعية إن لم تنفع لن تضر ! ، وهذا غير صحيح ، فبعض الأدوية الشعبية وممارسات الطب البديل لها مضاعفات جانبية على الكبد والكلى وغيرها ، ولابد من دراستها وفق منهج علمي قبل التوصية باستعمالها .
مع أن الشائعات يثبت عدم صحتها إذا تجاوز العالم فترة الوباء ؛ إلا أنها تعود مرة أخرى إذا ظهر وباء جديد ! ومما يساعد على ذلك :
1_الإنذارات المبكرة والاحتياطات الشديدة التي تتخذها المنظمات الدولية والهيئات الطبية : فمبدأ "السلامة أولاً" ، ومبدأ "نقلق ونحرص ثم تكون النتائج مطمئنة ، خيرٌ من أن نطمئن أولاً ثم تكون النتائج وخيمة بعد فوات الأوان" ، مبادئ صحيحة قد لا يدرك الكثيرون أهميتها في الوقاية من الكوارث والأوبئة متى طبقت بشكل متوازن ومتعقل ، لكنها في الوقت نفسه تنشر القلق ، كما أن بعض الإجراءات كالتباعد الاجتماعي وتقليص الأنشطة التجارية والحد من شعائر العبادة ترفع مستوى الضغوط النفسية والاجتماعية وتزيد حدة التوتر وبالتالي تزيد فرصة تقبل الشائعات ، كما توفر الفرصة للمشككين في تلك المنظمات إذا كانت مؤشرات الخطورة ليست عالية بالحد الكافي لإقناع الفرد العادي .
2_الصراع السياسي والإعلامي بين الشرق والغرب فالغرب يسعى جاهداً لإثبات أسبقيته وصدارته باكتشاف الميكروب وسبل مقاومته وإنتاج الأدوية واللقاحات الفعالة ، وبالمقابل يسعى الإعلام الشرقي (الروسي بشكل خاص) لترويج فكرة المؤامرة وربطها بالغرب كي تصطدم الحكومات الغربية ومؤسساتها بالشعوب بعد أن تُفقد الثقة بين الطرفين ، ونظراً للمواقف السلبية التي يتخذها الغرب تجاه القضايا الإسلامية عموماً وقضية فلسطين خصوصاً فإن الكثير من المثقفين الإسلاميين والعروبيين يحسن الظن بأطروحات الإعلام الروسي (مثل فرضية تقليل سكان الأرض) ويعيد نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي .
3_الموقف السلبي الذي يتخذه أنصار الطبيعة ومعارضو اللقاحات والمضادات الحيوية من المنظمات الطبية والجمعيات العلمية والشركات الدوائية، فهم يعتبرون الطب الحديث تدخلاً مرفوضاً في طبيعة جسم الإنسان ، ويرون أن شركات الأدوية عدو حقيقي للبشرية ، حيث تسعى للربح من خلال نشر الأوبئة وتصنيع اللقاحات والأدوية الضارة ، كما يرون أن الجمعيات العلمية الطبية مجرد وسيلة تتحكم بها الشركات لنشر المعلومات الطبية التي تخدم مصالحها ، وينشطون في فترات الأوبئة بنشر فرضيات المؤامرة والتركيز على المضاعفات السلبية للأدوية واللقاحات وتكذيب الدراسات العلمية التي تثبت فعاليتها .
4_الظروف الصعبة التي تعانيها أكثر الشعوب الإسلامية اقتصادياً وسياسياً تجعلها غير قادرة على مواجهة الأوبئة بشكل مستقل ، فالمراكز البحثية والمصانع الدوائية التي تمتلكها الدول الإسلامية لم تصل بعد لمستوى الكشف المبكر عن الميكروبات الجديدة وابتكار الأدوية واللقاحات بنفس السرعة والكفاءة التي تمتلكها الدول الغربية ، والنتيجة هي اعتماد الهيئات الطبية المحلية على مثيلاتها العالمية المعروفة بمصداقيتها العلمية ، واستيراد المنتجات الدوائية منها ، وهذه الثقة تجاه الهيئات والجمعيات العالمية يشعر بها أهل الاختصاص المحليون لأنهم يحتكون بها باستمرار ويحضرون أنشطتها العلمية ويشاركون في المؤتمرات التي تعقدها بشكل دوري ، كما أن الكثير من أهل الاختصاص المحليين تلقوا تدريبهم أصلاً في تلك المراكز العالمية ، لكن عموم الناس وبعض المثقفين لا يدركون هذه الحيثيات ، ويرون أن تلك الثقة في غير محلها ، ويخلطون بين الإنتاج العلمي لتلك المراكز وبين المواقف السلبية للحكومات الغربية تجاه القضايا الإسلامية والعربية ، وإذا فُقدت الثقة ظهرت الشائعات .
5_وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي تعتمد على عدد المشاهدين والمتابعين في تحقيق نجاحها تبحث عن الجديد والمثير للجدل فهي تمثل رافداً قوياً لانتشار الشائعات والمخاوف .
6_التصرفات الطائشة من بعض الأفراد حيث ينتجون الشائعات ويلفقون الصور والمقاطع المرئية ، ويرون نجاحهم في انتشارها على أوسع نطاق لإثبات ذواتهم أمام أنفسهم وأقرانهم .
7_الأغراض والمطامع الشخصية ، فالكثير من الشائعات أثناء الأوبئة يصدرها أشخاص أو منظمات لتحقيق مكاسب خاصة أو لإلحاق الضرر بالخصوم والمنافسين .
8_الأخطاء الطبية ، وظهور أعراض جانبية للأدوية واللقاحات ، ووجود ممارسات طبية فاسدة في بعض المواقع . تسعى المؤسسات والهيئات الطبية لتقليل الأخطاء الطبية لكنها لا تستطيع منعها بالكامل لأن الخطأ جزء من تركيبة البشر ، وتحرص على أن تكون المضاعفات الجانبية للأدوية واللقاحات ضمن حدود مقبولة وغير خطرة لكن بعض المضاعفات النادرة لا تظهر أثناء التجربة على عدة آلاف ، وإنما تظهر عند الاستخدام الواسع ، فيتساءل البعض : لماذا لم يُذكر ذلك في بداية الأمر ؟ ، وتحرص الجهات الصحية على الأمانة والمهنية الاحترافية ، لكن الساحة الصحية (كغيرها من الساحات الخدمية) لا تخلو من المهملين وعديمي الضمير الذين يمارسون الفوضى ويقدمون النفع الشخصي على حساب المصلحة العامة .. كل ذلك يجعل بعض الشائعات قابلة للتصديق ويزيد من حدتها .
خامساً : البحث عن الأمن
الفرد يتجه إلى مصادر تشعره بالأمن من الوباء وآثاره ، والجميع يحتاج قوة خارجية توفر له الحماية .
المؤمن
يفزع إلى الله ، والمشرك يلوذ بجناب الصليب أو الصنم أو القبر والضريح ، واللاديني
يترقب الفرج من المختبرات !
سادساً : يتميز صبر المؤمنين ورضاهم
خصوصاً مع طول البلاء وفقد الأحباب ؛ منهم
من يزيده الوباء إيماناً وصبراً ويقيناً برحمة الله ولطفه ، ومنهم من يجزع وينهار
، ومنهم من ينتكس عياذاً بالله .
سابعاً : يزداد
الضغط على المؤن المعيشية
فيتسارع
الناس لتكديس المؤن وتتأثر وفرتها في الأسواق ، وترتفع الأسعار ، ويقل دخل
الأغلبية .
ثامناً : يزداد
الضغط على الخدمات الصحية
فتبادر
الحكومات لدعم القطاع الصحي على حساب غيره من الخدمات العامة ، ويتم تكريس
الإمكانات الصحية لمواجهة حالة الوباء على حساب المشكلات الصحية الأخرى ، ويقلق
المسؤولون مما يسمونه "فشل -أو انهيار- النظام الصحي" حين تزيد حالات
المرض الوبائي عن القدرة الاستيعابية للمستشفيات ، فترتبك الخدمة بكاملها ويُضطر إلى تقديم
الرعاية الصحية لبعض الحالات دون البعض الآخر حسب أولوية الحضور للمستشفيات أو حسب
انتفاع المريض المتوقع من المعالجة فيُقدم الذي يُرجى برؤه على الذي لا يُرجى .
تاسعاً : تكثر
مراجعة الناس لمعنى الحياة وإعادة ترتيب الأولويات
فيتنادون
لإعطاء المزيد من الوقت للأسرة والأهل ، ويميل بعضهم للتأمل في الكون وضعف البشر
، ويخلو بعضهم في محاريبهم مع السجادة والقرآن .
عاشراً : مع مرور
الوقت يتكيف الأكثر مع الأوضاع ، وتستمر معاناة البعض بسبب تعرضهم لأضرار
مباشرة .
حادي عشر : إذا بدأت
الجائحة بالانحسار عمت الفرحة وشابها بعض المنكرات وتناسى أكثر الناس أحزانهم
وآلامهم ، وتبقى نسبة قليلة بحاجة لإعادة التأهيل النفسي واستعادة التوازن .
ما دور الدعاة والصالحين ؟!
ثانياً ربط الأمن النفسي بالتوحيد الخالص وبيان عظمة (لا
إله إلا الله) ، وتأمل أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ، وتعريف الناس بها .
ثالثاً تعريف الناس بسنن الله في الكون والحياة ، وتعميق الإيمان باليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره .
رابعاً البشارة المتزنة ، ونشر التفاؤل وحسن الظن بالله ، فكل ما يقضيه الله لعبده المؤمن فهو خير ، وتغليب
الاحتمالات الحسنة ، والتذكير بأن الأوبئة لا تدوم ؛ إنما هي فترة ابتلاء وستزول
كما زالت أوبئة سابقة بفضل الله ، والتذكير بأن الله وعد رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يأخذ أمته بسنةٍ عامة .
خامساً تعميق التوكل على الله ،
وتسهيل فهمه بالتنبيه على أن القلق يخف بإذن الله إذا أدرك الناس أنّ قدراتهم محدودة
ومسئولياتهم تجاه الوباء لا ينبغي أن تتجاوز قدراتهم ، فلا يحملوا أنفسهم مسئولية
كل شيء . التدبير الكامل والقدرة المطلقة بيد الله سبحانه ، فمن أيقن بذلك
وبالتالي فوض الأمر إليه سبحانه فقد توكل عليه .
سادساً كشف إفلاس الشرك والإلحاد عن توفير الأمن للبشرية .
سابعاً بيان ضعف الخلق مهما وصلوا في الجانب العلمي
والتقني ، فالوباء يقلب كيانهم كما أن الإجراءات التي يتخذها البشر عرضة للقصور ؛ فلا يمكنهم إنتاج دواء أو لقاح فعال وآمن 100% ، وبالتالي يتواضع الخلق لخالقهم ويستكينون لربهم ، ويتفهم الناس ذلك القصور فلا يطالبون المؤسسات الصحية بإجراءات كاملة النفع والوقاية وخالية تماماً من القصور والأضرار .
ثامناً تثبيت الواقفين في خط المواجهة أمام الوباء من منسوبي القطاع الصحي ورجال الأمن ، والدعاء لهم بالسداد والحفظ ، وزيارتهم أو التواصل معهم بالوسائل المتاحة للشد على أيديهم ونصحهم باحتساب الأجر .
تاسعاً تشجيع الناس على سؤال أهل الاختصاص في الأوبئة وهم : اختصاصيو الأمراض المعدية/اختصاصيو الطب الوقائي ومكافحة العدوى/اختصاصيو علم الميكروبات ، والجمعيات الطبية الممثلة لتلك التخصصات . أما أصحاب التخصصات الصحية الأخرى فضلاً عن الاختصاصات غير الصحية فنستفيد منهم ونستفتيهم في القضايا المتعلقة بتخصصاتهم .
وتوجيه الناس لاستفتاء الهيئات الفقهية المرجعية ، فالنوازل الفقهية لا يفتي فيها إلا المجموعة من الفقهاء الراسخين ، ومن الخطأ الاعتماد على فتوى المتخصص في التفسير أو مصطلح الحديث أو علم العقيدة لمجرد أن تخصصه شرعي وهو غير معروف بالرسوخ في الفقه ! والخطأ أكبر حين يُستفتى الطبيب والإعلامي والأديب والمحلل السياسي في المسائل الفقهية .
عاشراً تصبير النفس ، وتسهيل معنى الصبر للناس (حبس النفس عن
التسخط والاعتراض على القدر ، ولو استمرت مشاعر الألم والضيق ، فمجرد الشعور بالألم والرغبة في زوال الوباء والمصيبة لا يتعارض مع الصبر) . الصبر يشمل التحمل والثبات
والتجلد والاستمرار في العمل النافع ، ومما يعين على الصبر : تهيئة النفس والناس لاستقبال بعض المواجع ، وعدم استبطاء العافية والفرج ، وعدم مصارعة الأزمة بألم وتوتر ، والتشاغل قدر المستطاع بكل ما هو مفيد ومريح . و
حادي عشر توطين النفس على الرضا وتسهيل معناه للناس (رتبة أعلى من الصبر ، وهو زوال مشاعر الألم من المصيبة واستبدالها بمشاعر طيبة ومريحة تجاه الله والقدر والمستقبل ) ، ونشر الآيات والأحاديث والنماذج التاريخية والواقعية التي تحكي الصبر والرضا ، وبيان أجر المرض ، والرجاء في أن يكون المتوفى من الوباء من الشهداء.
ثاني عشر توسيع مفهوم الفرج لدى الناس ، كي لا يقتصر على زوال الوباء وآثاره بالكامل دون خسائر ، بل يشمل : تخفيف الوباء من حيث الخطورة أو المدة الزمنية ، ووجود المعين على تحمل أعبائه ، ونزول السكينة ، واكتشاف الأدوية واللقاحات ، والتعويض في الدنيا أو الآخرة .. كل ذلك من الفرج .
ثالث عشر تشجيع الناس على استئناف الحياة بدلا من الشلل النفسي ، والعودة للعمل والنشاط قدر الإمكان مع تعديل ما يلزم ليناسب الإجراءات الاحترازية . والتشجيع على احتساب الأجر بتحمل الوباء وآثاره ومكافحته .
رابع عشر المشاركة في التخفيف عن الضعفاء والفقراء بالمال وتوفير المؤن والعلاج حسب الاستطاعة . وتشجيع التجار على تقليل نسبة الربح أثناء الأزمة ، والدعاء لمن يفعل ذلك ، وتشجيع الموسرين على النفقة ، وحث الناس على الشراء المتزن للمؤن والتحذير من تكديسها ، والتذكير بواجب أن يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه ، والتذكير بفضيلة الإيثار، وتشجيع أهل الحي وجماعة المسجد على تفقد الجيران ومساعدتهم ، وتشجيع الأسر الكبيرة على تفقد أفرادها .
خامس عشر التواصي بالشورى بين أهل الحل والعقد والإفتاء ، والتحذير من الاجتهادات الفردية ، والاهتمام بنشر المعلومات الشرعية المرتبطة بالوباء ، وحث الناس على الالتزام بما يصدر عن هيئة الفتوى وأهل الاختصاص الطبي في البلد ، حتى لو لم يكن مقتنعاً في قرارة نفسه
. وإذا لم يتقبل ذلك فليلتزم الصمت حفاظاً على وحدة الصف ومنعاً للفرقة والاختلاف .
سادس عشر تمثيل القدوة الحسنة في الحكمة وحسن التصرف تجاه
الإجراءات الاحترازية : لا يستهتر ولا يوسوس .
سابع عشر التذكير بالفزع الأكبر يوم القيامة وما فيه من مشاهد الخوف والحشر والاستئثار بالنجاة ، ومقارنة متعة الدنيا بالآخرة ، وعذاب الدنيا بالآخرة ، وإعادة ترتيب الأولويات على هذا الأساس . والدعوة لتصحيح المسار وترقية العلاقة مع الله والوالدين والزوج/الزوجة والأولاد والأقارب والزملاء والأصدقاء.
جزاك الله خيرا وبارك فيك
ردحذف